آذَنَهُمْ بِالْقِتَالِ، فَإِنْ اسْتَمْهَلُوا اجْتَهَدَ وَفَعَلَ مَا رَآهُ صَوَابًا، وَلَا يُقَاتِلُ مُدْبِرَهُمْ وَلَا مُثْخَنَهُمْ وَأَسِيرَهُمْ وَلَا يُطْلَقُ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَغُلِبُوا فِي الْمُنَاظَرَةِ وَأَصَرُّوا (آذَنَهُمْ) بِالْمَدِّ: أَيْ أَعْلَمَهُمْ (بِالْقِتَالِ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ أَوَّلًا بِالْإِصْلَاحِ ثُمَّ بِالْقِتَالِ، فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
تَنْبِيهٌ: إنَّمَا يُعْلِمُهُمْ بِالْقِتَالِ إذَا عَلِمَ أَنَّ فِي عَسْكَرِهِ قُوَّةً وَقُدْرَةً عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا أَخَّرَهُ إلَى أَنْ تُمْكِنَهُ الْقُوَّةُ عَلَيْهِمْ: لِأَنَّهُ الِاحْتِيَاطُ فِي ذَلِكَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ النَّصِّ، وَقِتَالُهُمْ حِينَئِذٍ وَاجِبٌ، لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ بِأَحَدِ خَمْسَةِ أُمُورٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنْ يَتَعَرَّضُوا لِحَرِيمِ أَهْلِ الْعَدْلِ، أَوْ يَتَعَطَّلَ جِهَادُ الْكُفَّارِ بِهِمْ، أَوْ يَأْخُذُوا مِنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ مَا لَيْسَ لَهُمْ أَوْ يَمْتَنِعُوا مِنْ دَفْعِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يَتَظَاهَرُوا عَلَى خَلْعِ الْإِمَامِ الَّذِي قَدْ انْعَقَدَتْ بَيْعَتُهُ، فَلَوْ انْفَرَدُوا عَنْ الْجَمَاعَةِ وَلَمْ يَمْنَعُوا حَقًّا وَلَا تَعَدَّوْا إلَى مَا لَيْسَ لَهُمْ جَازَ قِتَالُهُمْ لِأَجْلِ تَفْرِيقِ الْجَمَاعَةِ، وَلَا يَجِبُ لِتَظَاهُرِهِمْ بِالطَّاعَةِ (فَإِنْ اسْتَمْهَلُوا) أَيْ طَلَبُوا الْإِمْهَالَ مِنْ الْإِمَامِ (اجْتَهَدَ) فِيهِ وَفِي عَدَمِهِ (وَفَعَلَ مَا رَآهُ صَوَابًا) مِنْهُمَا وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ اسْتِمْهَالَهُمْ لِلتَّأَمُّلِ فِي إزَالَةِ الشُّبْهَةِ أَمْهَلَهُمْ لِيَتَّضِحَ لَهُمْ الْحَقُّ، وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُمْ يَحْتَالُونَ لِاجْتِمَاعِ عَسَاكِرِهِمْ وَانْتِظَارِ مَدَدِهِمْ لَمْ يُمْهِلْهُمْ، وَإِنْ سَأَلُوا تَرْكَ الْقِتَالِ أَبَدًا لَمْ يُجِبْهُمْ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ مُدَّةَ الْإِمْهَالِ لَا تَتَقَيَّدُ وَهُوَ كَذَلِكَ، بَلْ تَرْجِعُ إلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ، وَفِي التَّهْذِيبِ كَيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَفِي الْمُهَذَّبِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا مُرَاعَاةُ هَذَا التَّدْرِيجِ فِي الْقِتَالِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ فَقَالَ: سَبِيلُهُ سَبِيلُ دَفْعِ الصَّائِلِ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى (وَلَا يُقَاتِلُ مُدَبَّرَهُمْ) إذَا وَقَعَ قِتَالٌ، وَلَا مَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ الْقِتَالِ (وَلَا مُثْخَنَهُمْ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ أَثْخَنَهُ الْجُرْحُ إذَا أَضْعَفَهُ (وَ) لَا (أَسِيرَهُمْ) إذَا كَانَ الْإِمَامُ يَرَى رَأْيَنَا فِيهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى تَفِيءَ} [الحجرات: ٩] [الْحُجُرَاتُ] وَالْفَيْئَةُ: الرُّجُوعُ عَنْ الْقِتَالِ بِالْهَزِيمَةِ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَرَ مُنَادِيَهُ يَوْمَ الْجَمَلِ فَنَادَى: لَا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ، وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ، وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَلِأَنَّ قِتَالَهُمْ شُرِعَ لِلدَّفْعِ عَنْ مَنْعِ الطَّاعَةِ وَقَدْ زَالَ. أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَرَى ذَلِكَ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْمُدْبِرُ الْمُتَحَرِّفُ لِلْقِتَالِ، أَوْ الْمُتَحَيِّزُ إلَى فِئَةٍ قَرِيبَةٍ فَيُقَاتَلَانِ، بِخِلَافِ الْمُتَحَيِّزِ إلَى فِئَةٍ بَعِيدَةٍ، وَمَا إذَا انْهَزَمُوا مُجْتَمِعِينَ تَحْتَ رَايَةِ زَعِيمِهِمْ، فَإِنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ حَتَّى يَرْجِعُوا إلَى الطَّاعَةِ. قَالَ الْإِمَامُ: أَوْ يَتَبَدَّدُوا.
تَنْبِيهٌ: عَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ فِي الْمُدْبِرِ بِالْقِتَالِ، وَفِي الْآخَرِينَ بِالْقَتْلِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْمُثْخَنَ وَالْأَسِيرَ لَا يُقَاتِلَانِ، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ مَنْعِ قَتْلِ هَؤُلَاءِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ بِقَتْلِهِمْ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ لِشُبْهَةِ أَبِي حَنِيفَةَ (وَلَا يُطْلَقُ) أَسِيرُهُمْ بَلْ يُحْبَسُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute