للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَجُنَّ لَمْ يُقْتَلْ فِي جُنُونِهِ.

وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ رِدَّةِ السَّكْرَانِ وَإِسْلَامِهِ.

وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالرِّدَّةِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ يَجِبُ التَّفْصِيلِ،

ــ

[مغني المحتاج]

(فَجُنَّ لَمْ يُقْتَلْ فِي جُنُونِهِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَعْقِلُ وَيَعُودُ إلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ قُتِلَ مَجْنُونًا لَمْ يَجِبْ عَلَى قَاتِلِهِ شَيْءٌ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ التَّهْذِيبِ وَأَقَرَّاهُ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ التَّأْخِيرَ مُسْتَحَبٌّ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، فَإِنَّ تَصْحِيحَ وُجُوبِ التَّوْبَةِ يَنْفِيهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ يَقْتَضِي وُجُوبَ التَّأْخِيرِ وَهُوَ الْوَجْهُ اهـ.

وَعَلَى هَذَا يُعَزَّرُ قَاتِلُهُ لِتَفْوِيتِهِ الِاسْتِتَابَةَ الْوَاجِبَةَ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ الْمُهَذَّبِ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ: أَيْ مِنْ قِصَاصٍ أَوْدِيَةٍ.

تَنْبِيهٌ: أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّعْبِيرِ بِالْفَاءِ إلَى تَعَقُّبِ الْجُنُونِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا ارْتَدَّ وَاسْتُتِيبَ فَلَمْ يَتُبْ، ثُمَّ جُنَّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ حَدَّ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ جُنَّ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ قَدْ يَرْجِعُ عَنْ الْإِقْرَارِ، فَلَوْ اُسْتُوْفِيَ مِنْهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ أَقَرَّ بِقَذْفٍ، أَوْ قِصَاصٍ، ثُمَّ جُنَّ فَإِنَّهُ يُسْتَوْفَى مِنْهُ فِي جُنُونِهِ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِرُجُوعِهِ.

(وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ رِدَّةِ السَّكْرَانِ) الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ كَطَلَاقِهِ وَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ، وَفِي صِحَّةِ اسْتِتَابَتِهِ حَالَ سُكْرِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا نَعَمْ كَمَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورِ، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ النَّصِّ. وَقَالَ الْعِمْرَانِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ وَالْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ، لَكِنْ يُنْدَبُ تَأْخِيرُهَا إلَى الْإِفَاقَةِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ صِحَّةِ تَوْبَتِهِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي الْقَائِلُ بِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَا تَزُولُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. أَمَّا غَيْرُ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ كَأَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِهَا فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالِارْتِدَادِ كَمَا فِي طَلَاقِهِ وَغَيْرِهِ (وَ) الْمَذْهَبُ صِحَّةُ (إسْلَامِهِ) عَنْ رِدَّتِهِ، وَلَوْ ارْتَدَّ صَاحِيًا ثُمَّ أَسْلَمَ مُعَامَلَةً لِأَقْوَالِهِ مُعَامَلَةَ الصَّاحِي.

تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ الِاعْتِدَادِ بِإِسْلَامِهِ فِي السُّكْرِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدٍ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ حَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ النَّصِّ: أَنَّهُ إذَا أَفَاقَ عَرَضْنَا عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، فَإِنْ وَصَفَهُ كَانَ مُسْلِمًا مِنْ حِينِ وَصْفِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ وَصَفَ الْكُفْرَ كَانَ كَافِرًا مِنْ الْآنَ لِأَنَّ إسْلَامَهُ صَحَّ، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ.

(وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالرِّدَّةِ مُطْلَقًا) أَيْ: عَلَى وَجْهِ الْإِطْلَاقِ وَيُقْضَى بِهَا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. تَبَعًا لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ لِخَطَرِهَا لَا يُقَدَّمُ الشَّاهِدُ بِهَا إلَّا عَنْ بَصِيرَةٍ (وَقِيلَ يَجِبُ التَّفْصِيلُ) أَيْ: اسْتِفْسَارُ الشَّاهِدِ بِهَا لِاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِي التَّكْفِيرِ، وَالْحُكْمِ بِالرِّدَّةِ عَظِيمٌ فَيُحْتَاطُ لَهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الَّذِي يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ الْمَعْرُوفُ عَقْلًا وَنَقْلًا. قَالَ: وَمَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ بَحَثَ لَهُ. وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ تَبِعَ فِيهِ الْإِمَامَ وَهُوَ لَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ تَخْرِيجِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: يَدُلُّ عَلَى التَّفْصِيلِ مَا قَالَاهُ فِيمَنْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ. فَقَالَ أَحَدُهُمَا: ارْتَدَّ فَمَاتَ كَافِرًا أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ سَبَبِ كُفْرِهِ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ: مِنْ عَدَمِ التَّفْصِيلِ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ قَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>