وَلَا تَصِحُّ رِدَّةُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُكْرَهٍ.
وَلَوْ ارْتَدَّ
ــ
[مغني المحتاج]
أَيْضًا لَوْ قَالَ فُلَانٌ فِي عَيْنِي كَالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ فِي عَيْنِ اللَّهِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ كَفَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنْ أَرَادَ الْجَارِحَةَ كَفَرَ، وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّجَسُّمِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّا لَا نُكَفِّرُ الْمُجَسِّمَةَ، وَفِيهَا أَيْضًا عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ: أَنَّهُ لَوْ شُفِيَ مَرِيضٌ ثُمَّ قَالَ لَقِيتُ فِي مَرَضِي هَذَا مَا لَوْ قَتَلْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لَمْ أَسْتَوْجِبْهُ، فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يَكْفُرُ وَيُقْتَلُ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ النِّسْبَةَ إلَى الْجَوْرِ، وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ وَيُسْتَتَابُ وَيُعَزَّرُ اهـ.
وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ فِي مَسْأَلَةٍ: لَوْ أَعْطَانِي اللَّهُ الْجَنَّةَ مَا دَخَلْتُهَا أَنَّهُ يَكْفُرُ، وَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَنَّهُ إنْ قَالَ ذَلِكَ اسْتِخْفَافًا أَوْ اسْتِغْنَاءً كَفَرَ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَلَا. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ صَلَّى بِنَجِسٍ: مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ كُفْرِ مَنْ اسْتَحَلَّ الصَّلَاةَ بِنَجِسٍ مَمْنُوعٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهَا، بَلْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى الْجَوَازِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ اهـ.
وَحَيْثُ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَكْفُرُ. فَائِدَةٌ: لَا بِدَعَ وَلَا إشْكَالَ فِي الْعِبَارَةِ الْمَعْزُوَّةِ إلَى إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَوْلِهِ: أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَهِيَ مَرْوِيَّةٌ عَنْ عُمَرَ، وَصَحَّتْ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهِيَ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَشْعَرِيَّةِ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْكَارُهَا. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَهُوَ عَجِيبٌ لِأَنَّهَا صَحَّتْ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ شَيْخُ شَيْخِ شَيْخِ شَيْخِهِ، وَالْقَائِلُونَ بِجَوَازِ قَوْلِهَا اخْتَلَفُوا فِي الْوُجُوبِ، وَذَكَرَ الْعُلَمَاءُ لَهَا مَحَامِلَ كَثِيرَةً، وَالصَّوَابُ عَدَمُ الِاحْتِيَاجِ إلَى تِلْكَ الْمَحَامِلِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ أَنَا مُؤْمِنٌ هُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ أَوْ دَلِيلُ الْجَوَابِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبَلًا، فَمَعْنَاهُ أَنَا مُؤْمِنٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى تَأْوِيلٍ: بَلْ تَعْلِيقُهُ وَاضِحٌ مَأْمُورٌ بِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: ٢٣] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٤] .
وَيُعْتَبَرُ فِيمَنْ يَصِيرُ مُرْتَدًّا بِشَيْءٍ مِمَّا مَرَّ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا مُخْتَارًا (وَ) حِينَئِذٍ (لَا تَصِحُّ رِدَّةُ صَبِيٍّ) وَلَوْ مُمَيِّزًا (وَ) لَا رِدَّةَ (مَجْنُونٍ) لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا، فَلَا اعْتِدَادَ بِقَوْلِهِمَا وَاعْتِقَادِهِمَا.
تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا حُكْمُ الرِّدَّةِ وَإِلَّا فَالرِّدَّةُ فِعْلُ مَعْصِيَةٍ كَالزُّنَاةِ فَكَيْفَ يُوصَفُ بِالصِّحَّةِ عَدَمُهَا؟ (وَ) لَا رِدَّةَ (مُكْرَهٍ) وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ فَإِنْ رَضِيَ بِقَلْبِهِ فَمُرْتَدٌّ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ تَجَرَّدَ قَلْبُهُ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ عَلَى التَّلَفُّظِ عَنْ اعْتِقَادِ إيمَانٍ وَكُفْرٍ، فَفِي كَوْنِهِ مُرْتَدًّا وَجْهَانِ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مُرْتَدًّا لِأَنَّ الْإِيمَانَ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الْإِكْرَاهِ، وَقَوْلُ الْمُكْرَهِ مُلْغًى مَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ اخْتِيَارٌ لِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ فَإِنَّ الْعِصْمَةَ كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَ الْإِكْرَاهِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ اخْتِيَارٌ لِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ.
(وَلَوْ ارْتَدَّ) وَلَمْ يُسْتَتَبْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute