وَبَاطِنِيَّةٍ.
ــ
[مغني المحتاج]
(وَ) قِيلَ: لَا يُقْبَلُ إسْلَامُهُ إنْ ارْتَدَّ إلَى كُفْرٍ (بَاطِنِيَّةٍ) وَهُمْ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ لِلْقُرْآنِ بَاطِنًا وَأَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْهُ دُونَ الظَّاهِرِ، وَقِيلَ هُمْ ضَرْبٌ مِنْ الزَّنَادِقَةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ شَيْئًا ثُمَّ خَلَقَ مِنْهُ شَيْئًا آخَرَ يُدَبِّرُ الْعَالَمَ، وَسَمَّوْا الْأَوَّلَ الْعَقْلَ، وَالثَّانِيَ النَّفْسَ، وَإِنْ كَانَ ارْتَدَّ إلَى دِينٍ يَزْعُمُ أَهْلُهُ أَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَبْعُوثٌ إلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً، أَوْ إلَى دِينِ مَنْ يَقُولُ رِسَالَتُهُ حَقٌّ، لَكِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ بَعْدُ، أَوَجَحَدَ فَرْضًا أَوْ تَحْرِيمًا لَمْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولٌ إلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ، وَيَرْجِعُ الثَّانِي عَمَّا اعْتَقَدَهُ، وَلَا يَكْفِي شَهَادَةُ الْفَلْسَفِيِّ، وَهُوَ النَّافِي لِاخْتِيَارِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ اللَّهَ عِلَّةُ الْأَشْيَاءِ وَمَبْدَؤُهَا حَتَّى يَشْهَدَ بِالِاخْتِرَاعِ وَالْإِحْدَاثِ مِنْ الْعَدَمِ، وَلَا يَكْفِي الطَّبَائِعِيُّ الْقَائِلُ بِنِسْبَةِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ إلَى الطَّبِيعَةِ لَا إلَهُ إلَّا الْمُحْيِي الْمُمِيتِ حَتَّى يَقُولَ لَا إلَهُ إلَّا اللَّهُ وَنَحْوُهُ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الَّتِي لَا تَأْوِيلَ لَهُ فِيهَا. وَأَمَّا الْبَرْهَمِيُّ وَهُوَ مُوَحِّدٌ يُنْكِرُ الرُّسُلَ فَإِنْ قَالَ مَعَ لَا إلَهُ إلَّا اللَّهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ مِنْ الرُّسُلِ، لَا إنْ قَالَ عِيسَى وَمُوسَى وَكُلُّ نَبِيٍّ قَبْلَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولَ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إقْرَارٌ بِرِسَالَةِ مَنْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ شَهِدَ لَهُمْ وَصَدَّقَهُمْ.
فَإِنْ قِيلَ: كَمَا أَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهِدَ لَهُمْ وَصَدَّقَهُمْ فَقَدْ شَهِدُوا لَهُ وَبَشَّرُوا بِهِ. .
أُجِيبَ بِأَنَّ شَرِيعَتَهُ نَاسِخَةٌ لِمَا قَبْلَهَا بَاقِيَةٌ، بِخِلَافِ شَرِيعَةِ غَيْرِهِ، وَالْمُعَطِّلُ إذَا قَالَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قِيلَ يَكُونُ مُؤْمِنًا؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْمُرْسِلَ وَالرَّسُولَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ كَغَيْرِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ يَهُودِيٌّ بِرِسَالَةِ عِيسَى لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْإِسْلَامِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِبَعْضِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَتُقْبَلُ تَوْبَةُ مُكَذِّبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَا قَاذِفِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ: إنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا، وَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ. وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ: يُجْلَدُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ ارْتَفَعَتْ بِإِسْلَامِهِ وَبَقِيَ جَلْدُهُ.
فَائِدَةٌ: يَصِحُّ الْإِسْلَامُ بِسَائِرِ اللُّغَاتِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ، وَبِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ. نَعَمْ لَوْ لُقِّنَ الْعَجَمِيُّ الْكَلِمَةَ الْعَرَبِيَّةَ فَقَالَهَا وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهَا لَمْ يَكْفِ، وَيُسَنُّ امْتِحَانُ الْكَافِرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِتَقْرِيرِهِ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَوْ قَالَ بَدَلَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فِي الشَّهَادَتَيْنِ أَحْمَدُ أَوْ أَبُو الْقَاسِمِ رَسُولُ اللَّهِ كَفَاهُ، وَلَوْ قَالَ: النَّبِيُّ بَدَلَ: رَسُولُ اللَّهِ كَفَاهُ لَا الرَّسُولُ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَرَسُولِ اللَّهِ، فَلَوْ قَالَ: آمَنْتُ بِمُحَمَّدٍ النَّبِيِّ كَفَى، بِخِلَافِ آمَنْتُ بِمُحَمَّدٍ الرَّسُولِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَالرَّسُولُ قَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ، وَبِخِلَافِ آمَنْتُ بِمُحَمَّدٍ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى.
تَنْبِيهٌ: غَيْرُ وَسِوَى وَمَا عَدَا وَنَحْوُهَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ كَإِلَّا فِي الِاكْتِفَاءِ بِهَا كَقَوْلِهِ: لَا إلَهَ غَيْرُ اللَّهِ، أَوْ سِوَى اللَّهِ، أَوْ مَا عَدَا اللَّهَ، أَوْ خَلَا اللَّهَ. وَلَوْ قَالَ كَافِرٌ: أَنَا مِنْكُمْ، أَوْ مِثْلُكُمْ، أَوْ مُسْلِمٌ أَوْ وَلِيُّ مُحَمَّدٍ، أَوْ أُحِبُّهُ، أَوْ أَسْلَمْتُ، أَوْ آمَنْتُ لَمْ يَكُنْ اعْتِرَافًا بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ أَنَا مِنْكُمْ أَوْ مِثْلُكُمْ فِي الْبَشَرِيَّةِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ التَّأْوِيلَاتِ، فَإِنْ قَالَ: آمَنْتُ أَوْ أَسْلَمْتُ، أَوْ أَنَا مُؤْمِنٌ أَوْ مُسْلِمٌ مِثْلُكُمْ، أَوْ أَنَا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ دِينُكُمْ حَقٌّ، أَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مَنْ يُخَالِفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute