للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنْ أَسْلَمَ صَحَّ وَتُرِكَ.

وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ إسْلَامُهُ إنْ ارْتَدَّ إلَى كُفْرٍ خَفِيٍّ كَزَنَادِقَةٍ

ــ

[مغني المحتاج]

وَيُقْتَلُ بِضَرْبِ الْعُنُقِ دُونَ الْإِحْرَاقِ وَنَحْوِهِ لِلْأَمْرِ بِإِحْسَانِ الْقِتْلَةِ، فَإِنْ خَالَفَ وَقَتَلَهُ بِغَيْرِهِ أَوْ قَتَلَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ عُزِّرَ الْأَوَّلُ لِعُدُولٍ عَنْ الْمَأْمُورِ بِهِ. وَالثَّانِي لِافْتِيَاتِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ، نَعَمْ إنْ قَتَلَهُ مُرْتَدٌّ قُتِلَ بِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْجِنَايَاتِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا يُدْفَنُ الْمُرْتَدُّ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ لِخُرُوجِهِ بِالرِّدَّةِ عَنْهُمْ، وَلَا فِي مَقَابِرِ الْكُفَّارِ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ حُرْمَةِ الْإِسْلَامِ اهـ.

وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ حُرْمَةَ الْإِسْلَامِ انْقَطَعَتْ بِمَوْتِهِ كَافِرًا فَلَا مَانِعَ مِنْ دَفْنِهِ فِي مَقَابِرِ الْكُفَّارِ، فَقَدْ مَرَّ أَنَّ الرِّدَّةَ أَفْحَشُ الْكُفْرِ (وَإِنْ) كَانَ كُلٌّ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ارْتَدَّا إلَى دِينٍ لَا تَأْوِيلَ لِأَهْلِهِ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَمُنْكِرِي النُّبُوَّاتِ، وَمَنْ يُقِرُّ بِالتَّوْحِيدِ وَيُنْكِرُ نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ (أَسْلَمَ صَحَّ) إسْلَامُهُ إذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ فِي مُخْتَصَرِ الْكِفَايَةِ: وَهُمَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهُ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَنْ أَفْتَى مِنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظِ أَشْهَدُ فِي الشَّهَادَتَيْنِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ.

وَقَالَ الزَّنْكَلُونِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ: وَهُمَا لَا إلَهُ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ لَفْظَةَ أَشْهَدُ لَا تُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَتَيْنِ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَنْ أَفْتَى بِعَدَمِ الِاشْتِرَاطِ، وَهِيَ وَاقِعَةٌ حَالًا اخْتَلَفَ الْمُفْتُونَ فِي الْإِفْتَاءِ فِي عَصْرِنَا فِيهَا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَمَالِ، وَمَا قَالَهُ الزَّنْكَلُونِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى أَقَلَّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِسْلَامُ، فَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَرْتِيبِ الشَّهَادَتَيْنِ بِأَنْ يُؤْمِنَ بِاَللَّهِ ثُمَّ بِرَسُولِهِ، فَإِنْ عَكَسَ لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْكَلَامِ عَلَى تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ، وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: إنَّ الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا لَا تُشْتَرَطُ. فَلَوْ تَأَخَّرَ الْإِيمَانُ بِالرِّسَالَةِ عَنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى مُدَّةً طَوِيلَةً صَحَّ. قَالَ: وَهَذَا بِخِلَافِ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَدْعُوِّ إلَى دِينِ الْحَقِّ أَنْ يَدُومَ، وَلَا يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ فَكَأَنَّ الْعُمْرَ كُلَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْلِسِ (وَ) إذَا قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا ذَلِكَ (تُرِكَ) وَلَوْ كَانَ زِنْدِيقًا، أَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ مُضِيُّ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨] نَعَمْ يُعَزَّرُ مَنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ لِزِيَادَةِ تَهَاوُنِهِ بِالدِّينِ فَيُعَزَّرُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فَمَا بَعْدَهَا، وَلَا يُعَزَّرُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَحَكَى ابْنُ يُونُسَ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّمَا يُعَزَّرُ فِي الثَّالِثَةِ، وَنُقِلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الرَّابِعَةِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَعُدَّ هَذَا مِنْ هَفَوَاتِهِ اهـ.

وَلَا يَصِحُّ هَذَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَإِنَّمَا هُوَ مَنْسُوبٌ لِإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ.

تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُثَنِّيَ أَسْلَمَ، وَتَرَكَ لِيُوَافِقَ مَا قَبْلَهُ، وَلَكِنْ يَحْصُلُ بِمَا قَدَّرْتُهُ (وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ) أَيْ: لَا يَصِحُّ (إسْلَامُهُ إنْ ارْتَدَّ إلَى كُفْرٍ خَفِيٍّ كَزَنَادِقَةٍ) وَهُمْ مَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ، وَيُخْفِي الْكُفْرَ كَمَا قَالَاهُ هُنَا وَفِي الْفَرَائِضِ وَصِفَةِ الْأَئِمَّةِ، وَقَالَا فِي اللِّعَانِ: هُمْ مَنْ لَا يَنْتَحِلُ دِينًا، وَصَوَّبَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْأَقْرَبُ فَإِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمُنَافِقُ وَقَدْ غَايَرُوا بَيْنَهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>