وَتَجِبُ اسْتِتَابَةُ الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدَّةِ، وَفِي قَوْلٍ تُسْتَحَبُّ كَالْكَافِرِ، وَهِيَ فِي الْحَالِ، وَفِي قَوْلٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ أَصَرَّا قُتِلَا،
ــ
[مغني المحتاج]
الْإِسْلَامِ بَاقِيَةٌ فِيهِ وَالْعَوْدُ أَهْوَنُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَسُومِحَ فِيهِ إلَّا أَنْ يُسْمَعَ تَشَهُّدُهُ فِي الصَّلَاةِ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ. فَإِنْ قِيلَ: إسْلَامُهُ حِينَئِذٍ بِاللَّفْظِ وَالْكَلَامُ فِي خُصُوصِ الصَّلَاةِ الدَّالَّةِ بِالْقَرِينَةِ. .
أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ رَفْعُ إيهَامِ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلشَّهَادَةِ فِيهَا لِاحْتِمَالِ الْحِكَايَةِ.
وَلَوْ أُكْرِهَ أَسِيرٌ أَوْ غَيْرُهُ عَلَى الْكُفْرِ بِبِلَادِ الْحَرْبِ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ مَاتَ هُنَاكَ وَرِثَهُ وَارِثُهُ الْمُسْلِمُ، فَإِنْ قَدِمَ عَلَيْنَا عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ اسْتِحْبَابًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ مُخْتَارًا كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ بِدَارِنَا، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِسْلَامِ بَعْدَ عَرْضِهِ عَلَيْهِ حَكَمْنَا بِكُفْرِهِ مِنْ حِينِ كُفْرِهِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا مِنْ حِينَئِذٍ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْعَرْضِ وَالتَّلَفُّظِ بِالْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْلِمٌ كَمَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ قُدُومِهِ عَلَيْنَا.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الرِّدَّةِ بَعْدَ وُقُوعِهَا، فَقَالَ: (وَتَجِبُ اسْتِتَابَةُ الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدَّةِ) قَبْلَ قَتْلِهِمَا لِأَنَّهُمَا كَانَا مُحْتَرَمَيْنِ بِالْإِسْلَامِ، فَرُبَّمَا عَرَضَتْ لَهُمَا شُبْهَةٌ فَيَسْعَى فِي إزَالَتِهَا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الرِّدَّةَ تَكُونُ عَنْ شُبْهَةٍ عُرِضَتْ، وَثَبَتَ وُجُوبُ الِاسْتِتَابَةِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ رُومَانَ ارْتَدَّتْ «فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ، فَإِنْ تَابَتْ وَإِلَّا قُتِلَتْ» .
وَلَا يُعَارِضُ هَذَا: النَّهْيَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَرْبِيَّاتِ وَهَذَا عَلَى الْمُرْتَدَّاتِ؛ وَلِهَذَا نَصَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَرْأَةِ إشَارَةً إلَى الْخِلَافِ، لَكِنْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ بِقَتْلِ الْمُرْتَدِّ إنْ لَمْ يَتُبْ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً، لِأَنَّ خِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَتْلِهَا، لَا فِي اسْتِتَابَتِهَا، فَإِنَّهُ قَالَ: تُحْبَسُ وَتُضْرَبُ إلَى أَنْ تَمُوتَ أَوْ تُسْلِمَ (وَفِي قَوْلٍ تُسْتَحَبُّ) اسْتِتَابَتُهُ (كَالْكَافِرِ) الْأَصْلِيِّ. فَإِنْ قِيلَ: يَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَتِبْ الْعُرَنِيِّينَ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ حَارَبُوا، وَالْمُرْتَدُّ إذَا حَارَبَ لَا يُسْتَتَابُ (وَهِيَ) أَيْ: الِاسْتِتَابَةُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا (فِي الْحَالِ) فِي الْأَظْهَرِ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهَا حَدٌّ، فَلَا يُؤَخَّرُ كَسَائِرِ الْحُدُودِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ السَّكْرَانَ يُسَنُّ تَأْخِيرُهُ إلَى الصَّحْوِ، وَلَوْ سَأَلَ الْمُرْتَدُّ إزَالَةَ شُبْهَةٍ نُوظِرَ بَعْدَ إسْلَامِهِ لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَا تَنْحَصِرُ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ كَمَا فِي نُسَخِ الرَّافِعِيِّ الْمُعْتَمَدَةِ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِنُسَخِ الرَّافِعِيِّ السَّقِيمَةِ أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ الْمُنَاظَرَةُ أَوَّلًا، وَالْمَحْكِيُّ عَنْ النَّصِّ عَدَمُهَا، وَإِنْ شَكَّا قَبْلَ الْمُنَاظَرَةِ جُوعًا أُطْعِمَ، ثُمَّ نُوظِرَ (وَفِي قَوْلٍ) يُمْهَلُ فِيهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِأَثَرٍ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي ذَلِكَ، وَأَخَذَ بِهِ الْإِمَامُ مَالِكٌ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: يُدْعَى إلَى الْإِسْلَامِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنْ أَبَى قُتِلَ، وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ يُسْتَتَابُ شَهْرَيْنِ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ: يُسْتَتَابُ أَبَدًا، وَعَلَى التَّأْخِيرِ يُحْبَسُ مُدَّةَ الْإِمْهَالِ وَلَا يُخَلَّى سَبِيلُهُ (فَإِنْ) لَمْ يَتُبْ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ عَنْ الرِّدَّةِ: بَلْ (أَصَرَّا) عَلَيْهَا (قُتِلَا) وُجُوبًا، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَيَقْتُلُهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ إنْ كَانَ حُرًّا لِأَنَّهُ قَتْلٌ مُسْتَحَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَكَانَ لِلْإِمَامِ وَلِمَنْ أَذِنَ لَهُ كَرَجْمِ الزَّانِي، هَذَا إنْ لَمْ يُقَاتِلْ، فَإِنْ قَاتَلَ جَازَ قَتْلُهُ لِكُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ لِلسَّيِّدِ قَتْلُ رَقِيقِهِ الْمُرْتَدِّ عَلَى الْأَصَحِّ،