للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِذَا عَيَّنَ الْإِمَامُ جِهَةً فَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ غَيْرِهَا فِي الْأَصَحِّ.

وَيُغَرَّبُ غَرِيبٌ مِنْ بَلَدِ الزِّنَا إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ، فَإِنْ عَادَ إلَى بَلَدِهِ مُنِعَ فِي الْأَصَحِّ.

ــ

[مغني المحتاج]

فَلَا يُرْسِلُهُ الْإِمَامُ إرْسَالًا (وَإِذَا عَيَّنَ الْإِمَامُ جِهَةً فَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْمُغَرَّبِ (طَلَبُ غَيْرِهَا فِي الْأَصَحِّ) ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَلْيَقُ بِالزَّجْرِ، وَمُعَامَلَةٌ لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَالثَّانِي: لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إيحَاشُهُ بِالْبُعْدِ عَنْ الْوَطَنِ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ غُرِّبَ عَلَى الْأَوَّلِ إلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ، فَهَلْ يُمْنَعُ مِنْ الِانْتِقَالِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لَا يُمْنَعُ، لِأَنَّهُ امْتَثَلَ وَالْمَنْعُ مِنْ الِانْتِقَالِ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، وَمَا صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُقِيمَ بِبَلَدِ الْغُرْبَةِ لِيَكُونَ كَالْحَبْسِ لَهُ، فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ كَالنُّزْهَةِ يُحْمَلُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِبَلَدِ الْغُرْبَةِ غَيْرُ بَلَدِهِ، لِأَنَّ مَا عَدَاهُ بِلَادُ غُرْبَةٍ، وَبِقَوْلِهِ: فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِهَا، بَلْ فِي غَيْرِ جَانِبِ بَلَدِهِ فَقَطْ عَلَى مَا عُرِفَ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ جَارِيَةً يَتَسَرَّى بِهَا مَعَ نَفَقَةٍ يَحْتَاجُهَا، وَكَذَا مَالٌ يَتَّجِرُ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ أَهْلَهُ وَعَشِيرَتَهُ، فَإِنْ خَرَجُوا مَعَهُ لَمْ يُمْنَعُوا، وَلَا يُعْتَقَلُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ كَمَا قَالَاهُ، لَكِنْ يُحْفَظُ بِالْمُرَاقَبَةِ وَالتَّوْكِيلِ بِهِ لِئَلَّا يَرْجِعَ إلَى بَلْدَتِهِ أَوْ إلَى مَا دُونَ الْمَسَافَةِ مِنْهَا، لَا لِئَلَّا يَنْتَقِلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لَمْ يُمْنَعْ، فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى الِاعْتِقَالِ خَوْفًا مِنْ رُجُوعِهِ إلَى مَا ذُكِرَ اُعْتُقِلَ، وَكَذَا إنْ خِيفَ مِنْ تَعَرُّضِهِ لِلنِّسَاءِ وَإِفْسَادِهِنَّ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ، كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ كَفًّا لَهُ عَنْ الْفَسَادِ، وَلَوْ عَادَ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ مِنْهُ أَوْ إلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْهُ رُدَّ وَاسْتُؤْنِفَتْ الْمُدَّةُ عَلَى الْأَصَحِّ، إذْ لَا يَجُوزُ. تَفْرِيقُ سَنَةِ التَّغْرِيبِ فِي الْحُرِّ، وَلَا نِصْفِهَا فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِيحَاشَ لَا يَحْصُلُ مَعَهُ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلتَّغْرِيبِ الْبَلَدُ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَعِبَارَةُ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ رُدَّ إلَى الْغُرْبَةِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْمُهَذَّبِ مَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يُرَدُّ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ، وَأَشَارَ إلَى تَفَرُّدِهِ بِهِ وَلَمْ يَقِفْ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى نَقْلٍ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: الْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْنَا بِالِاسْتِئْنَافِ لَمْ يَتَعَيَّنْ. ذَلِكَ الْبَلَدُ (وَيُغَرَّبُ) زَانٍ (غَرِيبٌ) لَهُ بَلَدٌ (مِنْ بَلَدِ الزِّنَا) تَنْكِيلًا وَإِبْعَادًا عَنْ مَوْضِعِ الْفَاحِشَةِ (إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ إيحَاشُهُ وَعُقُوبَتُهُ وَعَوْدُهُ إلَى وَطَنِهِ يَأْبَاهُ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِهِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَمَا فَوْقَهَا لِيَحْصُلَ مَا ذُكِرَ (فَإِنْ عَادَ إلَى بَلَدِهِ) الْأَصْلِيِّ (مُنِعَ مِنْهُ فِي الْأَصَحِّ) مُعَارَضَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْغَزَالِيِّ لَا وَجْهَ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمَتْنِ.

وَلَوْ زَنَى الْغَرِيبُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ غُرِّبَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ وَدَخَلَتْ مُدَّةُ بَقِيَّةِ الْأَوَّلِ فِي مُدَّةِ الثَّانِي لِتَجَانُسِ الْحَدَّيْنِ، وَلَوْ زَنَى الْمُسَافِرُ فِي طَرِيقِهِ غُرِّبَ إلَى غَيْرِ مَقْصَدِهِ لِمَا مَرَّ، وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ. وَقَالَ لَا يُحْجَرُ عَلَى الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ، بَلْ إذَا رَأَى تَغْرِيبَهُ فِي جِهَةِ مَقْصَدِهِ لَمْ يُمْنَعْ، وَمَنْ لَا وَطَنَ لَهُ كَالْمُهَاجِرِ إلَيْنَا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَتَوَطَّنْ بَلَدًا يُمْهَلُ حَتَّى يَتَوَطَّنَ ثُمَّ يُغَرَّبَ، وَهَذَا لَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْقَاضِي: إنَّهُ يُغَرَّبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>