وَيُؤَخَّرُ الْجَلْدُ لِمَرَضٍ، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ بُرْؤُهُ جُلِدَ لَا بِسَوْطٍ بَلْ بِعِثْكَالٍ عَلَيْهِ مِائَةُ غُصْنٍ، فَإِنْ كَانَ خَمْسُونَ ضُرِبَ بِهِ مَرَّتَيْنِ، وَتَمَسُّهُ الْأَغْصَانُ أَوْ يَنْكَبِسُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ لِيَنَالَهُ بَعْضُ الْأَلَمِ، فَإِنْ بَرَأَ أَجْزَأَهُ.
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي وُجُوبَ التَّأْخِيرِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ. قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ هُنَا وَتَعَرَّضُوا لَهُ فِي الْجَلْدِ اهـ.
وَيَجِبُ التَّأْخِيرُ فِي صُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا الْحَامِلُ، فَتُؤَخَّرُ إلَى الْوَضْعِ وَانْقِضَاءِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ زِنًا أَمْ مِنْ غَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: إذَا أَقَرَّ بِالزِّنَا ثُمَّ جُنَّ لَا يُحَدُّ فِي جُنُونِهِ بَلْ يُؤَخَّرُ حَتَّى يُفِيقَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْجِعُ بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ ثُمَّ جُنَّ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الرِّدَّةِ.
(وَيُؤَخَّرُ الْجَلْدُ) وَإِنْ لَمْ يَهْلِكْ غَالِبًا (لِمَرَضٍ) يُرْجَى بُرْؤُهُ، كَالْحُمَّى وَالصُّدَاعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الرَّدْعُ لَا الْقَتْلُ، وَقَدْ يُفْضِي الْجَلْدُ حِينَئِذٍ إلَى الْقَتْلِ.
تَنْبِيهٌ: فِي مَعْنَى الْمَرَضِ النِّفَاسُ: وَمَنْ بِهِ جُرْحٌ أَوْ ضَرْبٌ وَكَذَا الْحَامِلُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ (فَإِنْ لَمْ يُرْجَ بُرْؤُهُ) مِنْهُ لِزَمَانَةٍ أَوْ كَانَ نِضْوًا (جُلِدَ) وَلَا يُؤَخَّرُ إذْ لَا غَايَةَ تُنْتَظَرُ، لَكِنْ (لَا بِسَوْطٍ) لِئَلَّا يَهْلِكَ (بَلْ بِعِثْكَالٍ) وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْبَلَحُ بِمَنْزِلَةِ الْعُنْقُودِ مِنْ الْكَرْمِ (عَلَيْهِ مِائَةُ غُصْنٍ) وَهِيَ الشَّمَارِيخُ يُضْرَبُ بِهِ مَرَّةً إذَا كَانَ حُرًّا. لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ اشْتَكَى حَتَّى أَضْنَى فَعَادَ جِلْدُهُ عَلَى عَظْمِهِ فَوَقَعَ عَلَى جَارِيَةٍ لِبَعْضِهِمْ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْخُذُوا لَهُ شِمْرَاخًا فَيَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً (فَإِنْ كَانَ) عَلَيْهِ (خَمْسُونَ) غُصْنًا (ضُرِبَ بِهِ مَرَّتَيْنِ) لِتَكْمُلَ الْمِائَةُ، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا ضُرِبَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ.
تَنْبِيهٌ: الْعِثْكَالُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا. وَيُقَالُ عُثْكُولٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِثْكَالٌ بِإِبْدَالِهَا هَمْزَةً مَعَ ضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا، وَلَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى شِمْرَاخِ النَّخْلِ مَا دَامَ رَطْبًا. أَمَّا إذَا يَبِسَ فَهُوَ عُرْجُونٌ، وَلَا يَتَعَيَّنُ الْعِثْكَالُ بَلْ يُضْرَبُ بِهِ أَوْ بِالنِّعَالِ أَوْ بِأَطْرَافِ الثِّيَابِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَإِنْ نَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي الضَّرْبِ بِالنِّعَالِ (وَتَمَسُّهُ) أَيْ: الْمَجْلُودَ (الْأَغْصَانُ) جَمِيعُهَا (أَوْ يَنْكَبِسُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ لِيَنَالَهُ بَعْضُ الْأَلَمِ) لِئَلَّا تَبْطُلَ حِكْمَةُ الْحَدِّ، فَإِذَا انْتَفَى ذَلِكَ أَوْ شَكَّ فِيهِ لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ اكْتَفَوْا فِي الْأَيْمَانِ بِالضَّرْبِ غَيْرِ الْمُؤْلِمِ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ، وَالضَّرْبُ غَيْرُ الْمُؤْلِمِ يُسَمَّى ضَرْبًا، وَالْحُدُودُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الزَّجْرِ، وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْإِيلَامِ (فَإِنْ بَرَأَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ الْمَجْلُودُ بَعْدَ أَنْ ضُرِبَ بِمَا ذُكِرَ (أَجْزَأَهُ) الضَّرْبُ بِهِ وَلَا يُعَادُ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَعْضُوبُ إذَا حَجَّ عَنْهُ ثُمَّ شُفِيَ وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute