للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ مَالًا قُتِلَ ثُمَّ صُلِبَ ثَلَاثًا ثُمَّ يُنَزَّلُ، وَقِيلَ يَبْقَى حَتَّى يَسِيلَ صَدِيدُهُ، وَفِي قَوْلٍ يُصْلَبُ قَلِيلًا ثُمَّ يُنَزَّلُ فَيُقْتَلُ.

وَمَنْ أَعَانَهُمْ وَكَثَّرَ جَمْعَهُمْ

ــ

[مغني المحتاج]

هُنَا إلَّا بِالتَّحَتُّمِ. قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: وَمَحَلُّ تَحَتُّمِ الْقَتْلِ إذَا قَتَلَ لِأَخْذِ الْمَالِ وَإِلَّا فَلَا يَتَحَتَّمُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهُوَ مُقْتَضَى نَصِّ الْأُمِّ، وَمَعْنَى تَحَتُّمِهِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِعَفْوِ الْوَلِيِّ وَلَا بِعَفْوِ السُّلْطَانِ عَمَّنْ لَا وَارِثَ لَهُ، وَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَتْلِ صَبْرًا وَبَيْنَ الْجَرْحِ وَالْمَوْتِ مِنْهُ بَعْدَ أَيَّامٍ قَبْلَ الظَّفَرِ بِهِ وَالتَّوْبَةِ وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْ إقْرَارِهِ. .

أَمَّا إذَا قَتَلَ غَيْرَ مَعْصُومٍ أَوْ غَيْرَ مُكَافِئٍ لَهُ أَوْ قَتَلَ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَلَا يُقْتَلُ.

(وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ مَالًا) نِصَابًا فَأَكْثَرَ، وَقِيَاسُ مَا سَبَقَ اعْتِبَارُ الْحِرْزِ وَعَدَمُ الشُّبْهَةِ (قُتِلَ ثُمَّ صُلِبَ) حَتْمًا زِيَادَةً فِي التَّنْكِيلِ وَيَكُونُ صَلْبُهُ بَعْدَ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ فِي الْجَنَائِزِ، وَالْغَرَضُ مِنْ صَلْبِهِ بَعْدَ قَتْلِهِ التَّنْكِيلُ بِهِ وَزَجْرُ غَيْرِهِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْآيَةَ فَقَالَ: الْمَعْنَى: {أَنْ يُقَتَّلُوا} [المائدة: ٣٣] إنْ قَتَلُوا {أَوْ يُصَلَّبُوا} [المائدة: ٣٣] مَعَ ذَلِكَ إنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة: ٣٣] إنْ اقْتَصَرُوا عَلَى أَخْذِ الْمَالِ، {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: ٣٣] إنْ أَرْعَبُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا شَيْئًا فَحَمَلَ كَلِمَةَ " أَوْ " عَلَى التَّنْوِيعِ لَا التَّخْيِيرِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: " وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى " إذْ لَمْ يُخَيَّرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَيْنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة، وَإِنَّمَا صُلِبَ بَعْدَ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ فِي صَلْبِهِ قَبْلَهُ زِيَادَةَ تَعْذِيبٍ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» وَيُصْلَبُ عَلَى خَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا (ثَلَاثًا) مِنْ الْأَيَّامِ لِيَشْتَهِرَ الْحَالُ وَيَتِمَّ النَّكَالُ، وَلِأَنَّ لَهَا اعْتِبَارًا فِي الشَّرْعِ وَلَيْسَ لِمَا زَادَ عَلَيْهَا غَايَةٌ (ثُمَّ يُنَزَّلُ) هَذَا إذَا لَمْ يُخَفْ التَّغَيُّرُ، فَإِنْ خِيفَ قَبْلَ الثَّلَاثِ أُنْزِلَ عَلَى الْأَصَحِّ وَحُمِلَ النَّصُّ فِي الثَّلَاثِ عَلَى زَمَنِ الْبَرْدِ وَالِاعْتِدَالِ.

تَنْبِيهٌ أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِالِاكْتِفَاءِ بِالصَّلْبِ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَكُونُ قَتْلُهُمْ وَصَلْبُهُمْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي حَارَبُوا فِيهِ لَا أَنْ يَكُونَ بِمَفَازَةٍ لَا يَمُرُّ بِهَا أَحَدٌ فَيُقْتَلُونَ فِي أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ مِنْهَا. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ ثَلَاثَةً، لِأَنَّ الْأَيَّامَ مُذَكَّرَةٌ فَتَثْبُتُ فِيهِ التَّاءُ.

أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْدُودَ إذَا حُذِفَ يَجُوزُ فِيهِ الْوَجْهَانِ كَمَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ» (وَقِيلَ يَبْقَى) مَصْلُوبًا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (حَتَّى يَسِيلَ صَدِيدُهُ) وَهُوَ مَاءٌ رَقِيقٌ يَخْرُجُ مُخْتَلِطًا بِدَمٍ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَتَنْفِيرًا عَنْ فِعْلِهِ (وَفِي قَوْلٍ يُصْلَبُ) حَيًّا صَلْبًا (قَلِيلًا ثُمَّ يُنَزَّلُ فَيُقْتَلُ) لِأَنَّ الصَّلْبَ شُرِعَ عُقُوبَةً لَهُ فَيُقَامُ عَلَيْهِ وَهُوَ حَيٌّ. فَإِنْ قِيلَ: كَلَامُهُ لَا يُوَافِقُ أَصْلَهُ، وَلَا الشَّرْحَ وَالرَّوْضَةَ، فَإِنَّ عِبَارَةَ الْمُحَرَّرِ يُصْلَبُ صَلْبًا لَا يَمُوتُ مِنْهُ، وَعِبَارَةُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ: يُصْلَبُ حَيًّا ثُمَّ يُقْتَلُ.

أُجِيبَ بِأَنَّ عِبَارَتَهُ لَا تُنَافِي ذَلِكَ، بَلْ هِيَ بَيَانٌ لِلْعِبَارَاتِ الْمَذْكُورَةِ، لَكِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْقَلِيلَ يُحْمَلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلِهَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ ثَلَاثًا فَسَبَقَ الْقَلَمُ فَكَتَبَ قَلِيلًا اهـ.

وَلَعَلَّهُ إنَّمَا كَتَبَهَا قَصْدًا فَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِثَلَاثٍ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَكَلَامُهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْوُجُوبِ.

(وَمَنْ أَعَانَهُمْ) أَيْ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ (وَكَثَّرَ جَمْعَهُمْ)

<<  <  ج: ص:  >  >>