وَالدَّفْعُ عَنْ غَيْرِهِ كَهُوَ عَنْ نَفْسِهِ، وَقِيلَ يَجِبُ قَطْعًا.
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ذَلِكَ فِي الْمَحْقُونِ الدَّمُ كَمَا قَيَّدَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ: لِيَخْرُجَ الْمُهْدَرُ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ وَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَمَنْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ، فَإِنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ الْكَافِرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَظْهَرُ الدَّفْعُ عَنْ الْعُضْوِ عِنْدَ ظَنِّ السَّلَامَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَا شَهَادَةٌ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَنْ النَّفْسِ إذَا أَمْكَنَ عِنْدَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِقَتْلِهِ مَفَاسِدُ فِي الْحَرِيمِ وَالْأَطْفَالِ اهـ وَهُوَ بَحْثٌ حَسَنٌ.
(وَالدَّفْعُ عَنْ) نَفْسِ (غَيْرِهِ) إذَا كَانَ آدَمِيًّا مُحْتَرَمًا وَلَوْ رَقِيقًا (كَهُوَ عَنْ نَفْسِهِ) فَيَجِبُ حَيْثُ يَجِبُ وَيَنْتَفِي حَيْثُ يَنْتَفِي، إذْ لَا يَزِيدُ حَقُّ غَيْرِهِ عَلَى حَقِّ نَفْسِهِ، وَقَدْ أَكْثَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَتْنِ مِنْ جَرِّ ضَمِيرِ الْغَائِبِ بِالْكَافِ وَهُوَ قَلِيلٌ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْوُجُوبِ إذَا أُمِنَ الْهَلَاكُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، إذْ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ رُوحَهُ بَدَلًا عَنْ رُوحِ غَيْرِهِ وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيُّ: نَعَمْ إنْ كَانَ فِي قِتَالِ الْحَرْبِيِّينَ أَوْ الْمُرْتَدِّينَ فَلَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ بِالْخَوْفِ ظَاهِرٌ، إذَا كَانَ فِي الصَّفِّ وَكَانُوا مِثْلَيْهِ فَأَقَلَّ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَا يَلْزَمُ الْعَبْدَ الدَّفْعُ عَنْ سَيِّدِهِ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ، بَلْ السَّيِّدُ فِي ذَلِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ، حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الِابْنَ الدَّفْعُ عَنْ أَبِيهِ أَيْضًا. قَالَ: وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ: أَيْ: لِوُضُوحِهِ.
أَمَّا لَوْ صَالَ شَخْصٌ عَلَى غَيْرِ مُحْتَرَمٍ حَرْبِيٍّ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ دَفْعُهُ عَنْهُ، وَإِنْ وَجَبَ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ (وَقِيلَ يَجِبُ) الدَّفْعُ عَنْ غَيْرِهِ (قَطْعًا) لِأَنَّ لَهُ الْإِيثَارَ بِحَقِّ نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ «مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُسْلِمٌ فَلَمْ يَنْصُرْهُ وَهُوَ قَادِرٌ أَنْ يَنْصُرَهُ أَذَلَّهُ اللَّهُ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآحَادِ. أَمَّا الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْوُلَاةِ فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ قَطْعًا، وَقَضِيَّةُ الْوُجُوبِ أَوْ الْجَوَازِ عَدَمُ الضَّمَانِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: مَنْ قَتَلَ غَيْرَهُ دَفْعًا عَنْ مَالِ غَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا كَانَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ غَيْرَ نَبِيٍّ، أَمَّا هُوَ فَيَجِبُ الدَّفْعُ عَنْهُ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا يَخْتَصُّ الْخِلَافُ بِالصَّائِلِ، بَلْ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى مُحَرَّمٍ مِنْ شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلِبَعْضِ الْآحَادِ مَنْعُهُ، وَلَوْ أَتَى عَلَى النَّفْسِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّهُ الْمَوْجُودُ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ حَتَّى قَالُوا: لَوْ ظَهَرَ فِي بَيْتٍ خَمْرٌ يُشْرَبُ أَوْ طُنْبُورٌ يُضْرَبُ أَوْ نَحْوُهُمَا، فَلَهُ الْهُجُومُ عَلَى مُتَعَاطِيهِ لِإِزَالَتِهِ نَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا فَلَهُ قِتَالُهُمْ، وَإِنْ أَتَى عَلَى النَّفْسِ وَهُوَ مُثَابٌ عَلَى ذَلِكَ، وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ عَبَّرُوا هُنَا بِالْوُجُوبِ وَلَا يُنَافِيهِ تَعْبِيرُ الْأَصْحَابِ بِالْجَوَازِ، إذْ لَيْسَ مُرَادُهُمْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ، بَلْ إنَّهُ جَائِزٌ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ قَبْلَ ارْتِكَابِ ذَلِكَ وَهُوَ صَادِقٌ بِالْوُجُوبِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّف أَنَّهُ لَا يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ مَالِ الْغَيْرِ، لَكِنْ قَالَ الْغَزَالِيُّ: مَهْمَا قَدَرَ عَلَى حِفْظِ مَالِ غَيْرِهِ مِنْ الضَّيَاعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنَالَهُ تَعَبٌ فِي بَدَنِهِ، أَوْ خُسْرَانٌ فِي مَالِهِ، أَوْ نُقْصَانٌ فِي جَاهِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَقَلُّ دَرَجَاتِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِ، وَهُوَ أَوْلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute