فَإِنْ أَمْكَنَ هَرَبٌ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهُ، وَتَحْرِيمُ قِتَالٍ.
وَلَوْ عُضَّتْ يَدُهُ خَلَّصَهَا بِالْأَسْهَلِ مِنْ فَكِّ لَحْيَيْهِ وَضَرْبِ شِدْقَيْهِ فَإِنْ عَجَزَ فَسَلَّهَا فَنَدَرَتْ أَسْنَانُهُ فَهَدَرٌ.
ــ
[مغني المحتاج]
فَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ الضَّرْبَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ إلَّا بِهِ، وَلَيْسَ بِمُقَصِّرٍ فِي تَرْكِ اسْتِصْحَابِ السَّوْطِ وَنَحْوِهِ.
الرَّابِعَةُ: إذَا رَآهُ يُولِجُ فِي أَجْنَبِيَّةٍ فَلَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْقَتْلِ، وَإِنْ انْدَفَعَ بِدُونِهِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مُوَاقِعٌ لَا يُسْتَدْرَكُ بِالْأَنَاةِ كَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَهُوَ مَرْدُودٌ لِقَوْلِ الشَّيْخَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: إذَا وَجَدَ رَجُلًا يَزْنِي بِامْرَأَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا لَزِمَهُ مَنْعُهُ وَدَفْعُهُ، فَإِنْ هَلَكَ فِي الدَّفْعِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ انْدَفَعَ بِضَرْبٍ وَنَحْوِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ إنْ لَمْ يَكُنْ الزَّانِي مُحْصَنًا، فَإِنْ كَانَ فَلَا قِصَاصَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَدْ سَبَقَ فِي الْجِنَايَاتِ اهـ.
فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ (فَإِنْ أَمْكَنَ) الْمَصُولُ عَلَيْهِ (هَرَبٌ) أَوْ الْتِجَاءٌ لِحِصْنٍ أَوْ جَمَاعَةٍ (فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهُ وَتَحْرِيمُ قِتَالٍ) لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَخْلِيصِ نَفْسِهِ بِالْأَهْوَنِ فَالْأَهْوَنِ وَمَا ذُكِرَ أَسْهَلُ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَعْدِلُ إلَى الْأَشَدِّ. وَالثَّانِي لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ جَائِزَةٌ فَلَا يُكَلَّفُ الِانْصِرَافُ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي إنْ تَيَقَّنَ النَّجَاةَ بِهَرَبٍ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا حَمْلًا لِلنَّصَّيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ عَلَى هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ الْمَتْنِ أَنَّهُ لَوْ قَاتَلَ مَعَ إمْكَانِ الْهَرَبِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ الْمَنْعُ، فَإِنَّهُ قَالَ: تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ اهـ.
وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِمَا مَرَّ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمَتْنِ: وُجُوبُ الْهَرَبِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ نَفْسَهُ أَوْ مَالَهُ أَوْ بُضْعَهُ، وَتَعْلِيلُ الرَّافِعِيِّ يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِالدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَلَا يَلْزَمُهُ الْهَرَبُ، وَيَدَعُ مَالَهُ إذَا كَانَ الصِّيَالُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ مَالِهِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْهَرَبُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الْبُضْعَ فَقَضِيَّةُ الْبِنَاءِ عَلَى وُجُوبِ الدَّفْعِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْهَرَبُ، بَلْ يَثْبُتُ إنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ.
(وَلَوْ عُضَّتْ يَدُهُ) أَوْ غَيْرُهَا (خَلَّصَهَا بِالْأَسْهَلِ مِنْ فَكِّ لَحْيَيْهِ) أَيْ: رَفْعِ إحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى بِلَا جَرْحٍ (وَضَرْبِ) أَيْ: أَوْ ضَرْبِ (شِدْقَيْهِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُمَا جَانِبَا الْفَمِ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْأَسْهَلِ (فَسَلَّهَا فَنَدَرَتْ) بِنُونٍ: أَيْ: سَقَطَتْ (أَسْنَانُهُ فَهَدَرٌ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ فَوَقَعَتْ ثَنَايَاهُ، فَاخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ لَا دِيَةَ لَكَ» وَلِأَنَّ النَّفْسَ لَا تُضْمَنُ بِالدَّفْعِ فَالْأَجْزَاءُ أَوْلَى، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْعَاضُّ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا؛ لِأَنَّ الْعَضَّ لَا يُبَاحُ بِحَالٍ. قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ: إلَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ التَّخَلُّصَ إلَّا بِهِ فَهُوَ حَقٌّ لَهُ، نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ إنَّهُ صَحِيحٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
تَنْبِيهٌ: اقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ فَكِّ اللَّحْيِ وَالضَّرْبِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْفَكُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الضَّرْبِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ أَسَهْلُ. وَالثَّانِي الْحَصْرُ فِيمَا ذُكِرَ، وَلَيْسَ مُرَادًا أَيْضًا، فَالصَّحِيحُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ التَّخَلُّصَ إلَّا بِبَعْجِ بَطْنِهِ، أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute