وَجَوَابُ سَلَامٍ عَلَى جَمَاعَةٍ.
ــ
[مغني المحتاج]
لَا تُحَوِّجْنِي إلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ تَمَنَّى الْمَوْتَ.
(وَ) مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ (جَوَابُ سَلَامٍ) لِمُسْلِمٍ عَاقِلٍ وَلَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا (عَلَى جَمَاعَةٍ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْمُكَلَّفِينَ. أَمَّا كَوْنَهُ فَرْضًا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: ٨٦] وَأَمَّا كَوْنَهُ كِفَايَةً فَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد " يُجْزِئُ عَنْ الْجَمَاعَةِ إذَا مَرُّوا أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمْ وَيُجْزِئُ عَنْ الْجُلُوسِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ " وَالْمُرَادُ مِنْهُمْ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِالثَّوَابِ وَسَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ، وَإِنْ أَجَابُوا كُلُّهُمْ كَانُوا مُؤَدِّينَ لِلْفَرْضِ، سَوَاءٌ كَانُوا مُجْتَمِعِينَ أَمْ مُتَرَتِّبِينَ، كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِرَدِّ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِنْ قِيلَ: سَقَطَ بِهِ فَرْضُ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصَّلَاةِ الدُّعَاءُ وَالصَّبِيُّ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ السَّلَامِ الْأَمَانُ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَا يَسْقُطُ أَيْضًا بِرَدِّ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ السَّلَامَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ فِيهِمْ امْرَأَةٌ فَرَدَّتْ هَلْ يَكْفِي؟ يَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بِنَاؤُهُ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يُشْرَعُ لَهَا الِابْتِدَاءُ بِالسَّلَامِ أَمْ لَا؟ فَحَيْثُ شُرِعَ لَهَا كَفَى جَوَابُهَا، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا، وَمِثْلُهَا كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا الْخُنْثَى، وَاحْتَرَزَ بِالْجَمَاعَةِ عَنْ الْوَاحِدِ فَإِنَّ الرَّدَّ عَلَيْهِ فَرْضُ عَيْنٍ إلَّا إنْ كَانَ الْمُسَلِّمُ أَوْ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ أُنْثَى مُشْتَهَاةً وَالْآخَرُ رَجُلًا وَلَا مَحْرَمِيَّةٌ بَيْنَهُمَا فَلَا يَجِبُ الرَّدُّ ثُمَّ إنْ سَلَّمَ هُوَ حَرُمَ عَلَيْهَا.
أَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ نَحْوُ مَحْرَمِيَّةٍ كَزَوْجَتِهِ وَعَبْدِ الْمَرْأَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا، وَمِثْلُهُ كُلُّ مَنْ يُبَاحُ نَظَرُهُ إلَيْهَا فَيَجِبُ الرَّدُّ، وَلَا يُكْرَهُ عَلَى جَمْعِ نِسْوَةٍ أَوْ عَجُوزٍ لِانْتِفَاءِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ، بَلْ يُنْدَبُ الِابْتِدَاءُ بِهِ مِنْهُنَّ عَلَى غَيْرِهِنَّ وَعَكْسَهُ، وَيَجِبُ الرَّدُّ كَذَلِكَ، وَالْخُنْثَى مَعَ الْمَرْأَةِ كَالرَّجُلِ مَعَهَا، وَمَعَ الرَّجُلِ كَالْمَرْأَةِ مَعَهُ وَمَعَ الْخُنْثَى كَالرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الرَّدِّ اتِّصَالُهُ بِالِابْتِدَاءِ لِاتِّصَالِ الْإِيجَابِ بِالْقَبُولِ فِي الْعَقْدِ، فَلَوْ سَلَّمَ جَمَاعَةٌ مُتَفَرِّقُونَ عَلَى وَاحِدٍ فَقَالَ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَقَصَدَ الرَّدَّ عَلَى جَمِيعِهِمْ أَجْزَأَهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُ الْجَمِيعِ: كَمَا لَوْ صَلَّى عَلَى جَنَائِزَ صَلَاةً وَاحِدَةً كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيِّ وَأَقَرَّهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الرَّدَّ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَكْفِهِ.
وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا خِلَافُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُسَلِّمُوا دُفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ مُتَفَرِّقِينَ وَهُوَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا سَلَّمُوا دُفْعَةً وَاحِدَةً. أَمَّا لَوْ سَلَّمُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَكَانُوا كَثِيرِينَ فَلَا يَحْصُلَ الرَّدُّ لِكُلِّهِمْ إذْ قَدْ مَرَّ أَنَّ شَرْطَ حُصُولِ الْوَاجِبِ أَنْ يَقَعَ مُتَّصِلًا بِالِابْتِدَاءِ. وَلَا يَجِبُ الرَّدُّ عَلَى مَجْنُونٍ وَسَكْرَانَ وَإِنْ شَمَلَتْهُمَا عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ، وَكَذَا فَاسِقٌ وَنَحْوِهِ كَمُبْتَدَعٍ إنْ كَانَ فِي تَرْكِهِ زَجْرٌ لَهُمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا، وَلَوْ كَتَبَ كِتَابًا وَسَلَّمَ عَلَيْهِ فِيهِ أَوْ أَرْسَلَ رَسُولًا فَقَالَ: سَلِّمْ عَلَى فُلَانٍ فَإِذَا بَلَغَهُ خَبَرُ الْكِتَابِ وَالرِّسَالَةِ لَزِمَهُ الرَّدُّ، وَهَلْ صِيغَةُ إرْسَالِ السَّلَامِ مَعَ الْغَيْرِ السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ أَوْ يَكْفِي سَلِّمْ لِي عَلَى فُلَانٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا مَرَّ؟ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ التَّتِمَّةِ الثَّانِي، وَعِبَارَتُهُ أَنَّهُ لَوْ نَادَاهُ مِنْ وَرَاءِ سِتْرٍ أَوْ حَائِطٍ وَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا فُلَانُ، أَوْ كَتَبَ كِتَابًا وَسَلَّمَ عَلَيْهِ فِيهِ أَوْ أَرْسَلَ رَسُولًا فَقَالَ: سَلِّمْ عَلَى فُلَانٍ فَبَلَغَهُ الْكِتَابُ أَوْ الرِّسَالَةُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْجَوَابُ؛ لِأَنَّ تَحِيَّةَ الْغَائِبِ إنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute