لَا سَفَرُ تَعَلُّمِ فَرْضِ عَيْنٍ وَكَذَا كِفَايَةٍ فِي الْأَصَحِّ
فَإِنْ أَذِنَ أَبَوَاهُ وَالْغَرِيمُ ثُمَّ رَجَعُوا وَجَبَ الرُّجُوعُ إنْ لَمْ يَحْضُرْ الصَّفَّ،
ــ
[مغني المحتاج]
«أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجِهَادِ. فَقَالَ: أَلَكَ وَالِدَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» وَفِي رِوَايَةٍ «أَلَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَانْطَلِقْ إلَيْهَا فَأَكْرِمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا» رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ وَلَوْ كَانَ الْحَيُّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَجَمِيعَ أُصُولِهِ الْمُسْلِمِينَ كَذَلِكَ، وَلَوْ وَجَدَ الْأَقْرَبَ مِنْهُمْ وَأَذِنَ، سَوَاءٌ كَانُوا أَحْرَارًا أَمْ أَرِقَّاءَ، ذُكُورًا أَمْ إنَاثًا؛ لِأَنَّ بِرَّهُمْ مُتَعَيِّنٌ بِخِلَافِ الْكَافِرِ مِنْهُمْ لَا يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُ، وَكَذَا الْمُنَافِقُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا اُعْتُبِرَ إذْنُ سَيِّدِهِ لَا وَالِدَيْهِ كَمَا قَالَ: الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَلْزَمُ الْمُبَعَّضَ اسْتِئْذَانُ الْأَبَوَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ، وَالسَّيِّدِ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ (لَا سَفَرُ تَعَلُّمِ فَرْضِ عَيْنٍ) حَيْثُ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُعَلِّمُهُ أَوْ تَوَقَّعَ زِيَادَةَ فَرَاغٍ أَوْ إرْشَادٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ كَحَجٍّ تَضَيَّقَ عَلَيْهِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَضَيَّقْ عَلَى الصَّحِيحِ (وَكَذَا) سَفَرُ تَعَلُّمِ فَرْضِ (كِفَايَةٍ) فَيَجُوزُ أَيْضًا بِغَيْرِ إذْنِهِمْ (فِي الْأَصَحِّ) كَأَنْ خَرَجَ طَالِبًا لِدَرَجَةِ الْإِفْتَاءِ، وَفِي النَّاحِيَةِ مَنْ يَسْتَقِلُّ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَى الْمُكَلَّفِ وَحَبْسَهُ بَعِيدٌ، وَالثَّانِي لَهُمَا الْمَنْعُ كَالْجِهَادِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْجِهَادَ فِيهِ خَطَرٌ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي النَّاحِيَةِ مُسْتَقِلٌّ بِالْإِفْتَاءِ، وَلَكِنْ خَرَجَ جَمَاعَةٌ فَلَيْسَ لِلْأَبَوَيْنِ الْمَنْعُ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي الْحَالِ مَنْ يَقُومُ بِالْمَقْصُودِ، وَالْخَارِجُونَ قَدْ لَا يَظْفَرُونَ بِالْمَقْصُودِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعَهُ أَحَدٌ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إذْنٍ، وَلَا مَنْعَ لَهُمَا قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ بِالْخُرُوجِ يَدْفَعُ الْإِثْمَ عَنْ نَفْسِهِ كَالْفَرْضِ الْمُتَعَيَّنِ عَلَيْهِ، وَقَيَّدَ الرَّافِعِيُّ الْخَارِجَ وَحْدَهُ بِالرَّشِيدِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ: الْأَذْرَعِيُّ: أَنْ لَا يَكُونَ أَمْرَدَ جَمِيلًا يُخْشَى عَلَيْهِ. قَالَ: الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ أَبَوَيْهِ وَجَبَ اسْتِئْذَانُهُمَا وَلَوْ كَافِرَيْنِ إلَّا أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِمَا مِنْ مَالِهِ الْحَاضِرِ، وَقَضِيَّتُهُ كَمَا قَالَ: الزَّرْكَشِيُّ: أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ إذَا وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ كَذَلِكَ إنْ كَانَ الْفَرْعُ أَهْلًا لِلْإِذْنِ، وَهَذَا يُلْغِزُ بِهِ، فَيُقَالُ وَالِدٌ لَا يُسَافِرُ إلَّا بِإِذْنِ وَلَدِهِ. قَالَ: الْبُلْقِينِيُّ: وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَوْ أَدَّاهُ: أَيْ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ نَفَقَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَسَافَرَ فِي بَقِيتِهِ كَانَ كَالْمَدْيُونِ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ.
تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ حُكْمِ السَّفَرِ الْمُبَاحِ كَالتِّجَارَةِ، وَحُكْمُهُ إنْ كَانَ قَصِيرًا فَلَا مَنْعَ مِنْهُ بِحَالٍ، وَإِنْ كَانَ طَوِيلًا، فَإِنْ غَلَبَ الْخَوْفُ فَكَالْجِهَادِ وَإِلَّا جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ بِلَا اسْتِئْذَانٍ، وَالْوَالِدُ الْكَافِرُ فِي هَذِهِ الْأَسْفَارِ كَالْمُسْلِمِ مَا عَدَا الْجِهَادَ كَمَا مَرَّ.
(فَإِنْ أَذِنَ) لِرَجُلٍ (أَبَوَاهُ وَالْغَرِيمُ) فِي جِهَادٍ (ثُمَّ رَجَعُوا) بَعْدَ خُرُوجِهِ وَعَلِمَ بِذَلِكَ (وَجَبَ) عَلَيْهِ (الرُّجُوعُ إنْ لَمْ يَحْضُرْ الصَّفَّ) ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْإِذْنِ عُذْرٌ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْجِهَادِ، فَكَذَا طَرَيَانُه كَالْعَمَى وَالْمَرَضِ، وَلَوْ أَسْلَمَ أَصْلُهُ الْكَافِرُ بَعْدَ خُرُوجِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ وَعَلِمَ الْفَرْعُ الْحَالَ فَكَالرُّجُوعِ عَنْ الْإِذْنِ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَا لَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ خَافَ انْكِسَارَ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ بِرُجُوعِهِ، أَوْ خَرَجَ مَعَ الْإِمَامِ بِجُعْلٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ تَبَعًا لِلنَّصِّ فَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ، بَلْ لَا يَجُوزُ فِي مُعْظَمِ ذَلِكَ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْإِقَامَةُ عِنْدَ الْخَوْفِ بِمَوْضِعٍ فِي طَرِيقِهِ إلَى أَنْ يَرْجِعَ الْجَيْشُ فَيَرْجِعَ مَعَهُمْ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِقَامَةُ وَلَا الرُّجُوعُ فَلَهُ الْمُضِيُّ مَعَ الْجَيْشِ، لَكِنْ يَتَوَقَّى مَظَانَّ الْقَتْلِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute