للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ شَرَعَ فِي قِتَالٍ حَرُمَ الِانْصِرَافُ فِي الْأَظْهَرِ.

الثَّانِي يَدْخُلُونَ بَلْدَةً لَنَا فَيَلْزَمُ أَهْلَهَا الدَّفْعُ بِالْمُمْكِنِ، فَإِنْ أَمْكَنَ تَأَهُّبٌ لِقِتَالٍ وَجَبَ الْمُمْكِنُ حَتَّى عَلَى فَقِيرٍ وَوَلَدٍ وَمَدِينٍ وَعَبْدٍ بِلَا إذْنٍ،

ــ

[مغني المحتاج]

الْأُمِّ (فَإِنْ) حَضَرَ الصَّفَّ وَ (شَرَعَ فِي قِتَالٍ) بِأَنْ الْتَقَى الصَّفَّانِ، ثُمَّ رَجَعَ مَنْ ذُكِرَ وَعَلِمَ بِرُجُوعِهِ (حَرُمَ الِانْصِرَافُ فِي الْأَظْهَرِ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَصَحِّ لِوُجُوبِ الْمُصَابَرَةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال: ٤٥] وَلِأَنَّ الِانْصِرَافَ يُشَوِّشُ أَمْرَ الْقِتَالِ وَيَكْسِرُ الْقُلُوبَ، وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ، بَلْ يَجِبُ الِانْصِرَافُ رِعَايَةً لِحَقِّ الْآدَمِيِّ الَّذِي بِنَاؤُهُ عَلَى الضَّيْقِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَقِفُ مَوْقِفَ طَلَبِ الشَّهَادَةِ، بَلْ فِي آخِرِ الصُّفُوفِ يَحْرُسُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَحَكَى عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.

تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ: فَإِنْ حَضَرَ الصَّفَّ كَمَا قَدَّرْتُهُ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الِانْصِرَافِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقِتَالِ حَقِيقَةً، بَلْ الْتِقَاءُ الصَّفَّيْنِ كَافٍ فِي ذَلِكَ كَمَا مَرَّ.

فُرُوعٌ: لَوْ خَرَجَ بِلَا إذْنٍ وَشَرَعَ فِي الْقِتَالِ حَرُمَ الِانْصِرَافُ أَيْضًا لِمَا مَرَّ، وَرُجُوعُ الْعَبْدِ إنْ خَرَجَ بِلَا إذْنٍ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْقِتَالِ وَاجِبٌ، وَبَعْدَهُ مَنْدُوبٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الثَّبَاتُ بَعْدُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ.

وَلَوْ مَرِضَ مَنْ خَرَجَ لِلْجِهَادِ أَوْ عَرِجَ عَرَجَا بَيِّنًا أَوْ تَلِفَ زَادُهُ أَوْ دَابَّتُهُ فَلَهُ الِانْصِرَافُ، وَلَوْ مِنْ الْوَقْعَةِ إنْ لَمْ يُورِثْ فَشَلًا فِي الْمُسْلِمِينَ وَإِلَّا حَرُمَ عَلَيْهِ انْصِرَافُهُ مِنْهَا، وَلَا يَنْوِي الْمُنْصَرِفَ مِنْ الْوَقْعَةِ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ فِرَارًا. فَإِنْ انْصَرَفَ ثُمَّ زَالَ الْعُذْرُ قَبْلَ مُقَارِفَتِهِ دَارَ الْحَرْبِ لَا بَعْدَهُ لَزِمَهُ الرُّجُوعُ لِلْجِهَادِ، وَمَنْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ جِنَازَةٍ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْخُصْلَةِ االْوَاحِدَةِ بِخِلَافِ مَنْ شَرَعَ فِي تَعَلُّمِ عِلْمٍ لَا يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ، وَإِنْ أَنِسَ مِنْ نَفْسِهِ الرُّشْدَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الْمَشْرُوعِ فِيهِ غَالِبًا. قَالَ: الْأَذْرَعِيُّ: وَالْمُخْتَارُ لُزُومُ إتْمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ تَلَبَّسَ بِفَرْضٍ، وَلَوْ شُرِعَ لِكُلِّ شَارِعٍ فِي عِلْمِ الشَّرِيعَةِ الْإِعْرَاضِ عَنْهُ لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى إضَاعَةِ الْعِلْمِ.

وَأَجَابَ السُّبْكِيُّ عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْجِهَادِ بِأَنَّ الْمُشْتَغِلَ بِالْعِلْمِ لَهُ بَاعِثٌ نَفْسِيٌّ عَمَّنْ يُحِثُّهُ عَلَى دَوَامِ الِاشْتِغَالِ بِهِ لِمَحَبَّةِ ثَمَرَتِهِ، وَالْمُقَاتِلَ مَيْلُهُ إلَى الْحَيَاةِ يُبَاعِدُهُ عَنْ ذَلِكَ لِكَرَاهَةِ الْمَوْتِ وَشِدَّةِ سَكَرَاتِهِ، فَوُكِلَ الْمُشْتَغِلُ بِالْعِلْمِ إلَى مَحَبَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْهُومٌ لَا يَشْبَعُ، وَكُلِّفَ الْمُقَاتِلُ بِالثَّبَاتِ عِنْدَ الْمَمَاتِ الَّذِي مِنْهُ يُفَزَّعُ، وَلِذَلِكَ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِدَادُ الْعُلَمَاءِ أَفْضَلُ مِنْ دَمِ الشُّهَدَاءِ» .

ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي الْحَالِ (الثَّانِي) مِنْ حَالَيْ الْكُفَّارِ، وَهُوَ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (يَدْخُلُونَ بَلْدَةً لَنَا) أَوْ يَنْزِلُونَ عَلَى جَزَائِرَ أَوْ جَبَلٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ بَعِيدًا عَنْ الْبَلَدِ (فَيَلْزَمُ أَهْلَهَا الدَّفْعُ بِالْمُمْكِنِ) مِنْهُمْ، وَيَكُونُ الْجِهَادُ حِينَئِذٍ فَرْضَ عَيْنٍ، وَقِيلَ كِفَايَةً، وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ: إنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ يَشْهَدُ لَهُ (فَإِنْ أَمْكَنَ) أَهْلَهَا (تَأَهُّبٌ) أَيْ اسْتِعْدَادٌ (لِقِتَالٍ وَجَبَ) عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ (الْمُمْكِنُ) أَيْ الدَّفْعُ لِلْكُفَّارِ بِحَسَبِ الْقُدْرَةِ (حَتَّى عَلَى فَقِيرٍ) بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ (وَوَلَدٍ وَمِّ دِينٍ) وَهُوَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ (وَعَبْدٍ بِلَا إذْنٍ) مِنْ أَبَوَيْنِ وَرَبِّ دَيْنٍ وَمِنْ سَيِّدٍ، وَيَنْحَلُّ الْحَجْرُ عَنْهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُمْ دَارَ

<<  <  ج: ص:  >  >>