وَيُمْنَعُ كُلُّ كَافِرٍ مِنْ اسْتِيطَانِ الْحِجَازِ، وَهُوَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَقُرَاهَا، وَقِيلَ لَهُ الْإِقَامَةُ فِي طُرُقِهِ الْمُمْتَدَّةِ،
ــ
[مغني المحتاج]
فَاضِلًا عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ آخِرَ الْحَوْلِ مَا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ كَمَا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ. .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْقَابِلُ لِلتَّقْرِيرِ. فَقَالَ (وَيُمْنَعُ كُلُّ كَافِرٍ مِنْ اسْتِيطَانِ الْحِجَازِ) سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ بِجِزْيَةٍ أَمْ لَا لِشَرَفِهِ، وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ «آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْرِجُوا الْيَهُودَ مِنْ الْحِجَازِ» وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَالْمُرَادُ مِنْهَا الْحِجَازُ الْمُشْتَمِلَةُ هِيَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُرِدْ جَمِيعَ الْجَزِيرَةِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَجَلَاهُمْ مِنْ الْحِجَازِ وَأَقَرَّهُمْ فِي الْيَمَنِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ بِالْإِقَامَةِ بَدَلَ الِاسْتِيطَانِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لَكَانَ أَوْلَى، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِهَا مَنْعُ الِاسْتِيطَانِ وَلَا عَكْسَ، فَلَوْ أَرَادَ الْكَافِرُ أَنْ يَتَّخِذَ دَارًا بِالْحِجَازِ وَلَمْ يَسْكُنْهَا وَلَمْ يَسْتَوْطِنْهَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ مَا حُرِّمَ اسْتِعْمَالُهُ حُرِّمَ اتِّخَاذُهُ كَالْأَوَانِي وَآلَاتِ الْمَلَاهِي، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ: وَلَا يَتَّخِذُ الذِّمِّيُّ شَيْئًا مِنْ الْحِجَازِ دَارًا (وَهُوَ) أَيْ الْحِجَازُ (مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ) وَهِيَ مَدِينَةٌ بِقُرْبِ الْيَمَنِ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ، وَمَرْحَلَتَيْنِ مِنْ الطَّائِفِ: قِيلَ سُمِّيَتْ بِاسْمِ جَارِيَةٍ زَرْقَاءَ كَانَتْ تُبْصِرُ الرَّاكِبَ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَكَانَتْ تَسْكُنُهَا (وَقُرَاهَا) أَيْ الثَّلَاثَةِ كَالطَّائِفِ وَوَجٍّ لِمَكَّةَ وَخَيْبَرَ لِلْمَدِينَةِ (وَقِيلَ لَهُ) أَيْ الْكَافِرِ (الْإِقَامَةُ فِي طُرُقِهِ) أَيْ الْحِجَازِ (الْمُمْتَدَّةِ) بَيْنَ هَذِهِ الْبِلَادِ الَّتِي لَمْ تَجْرِ الْإِقَامَةُ فِيهَا عَادَةً؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مُجْتَمَعِ النَّاسِ وَلَا مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِلْبُقْعَةِ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ، فَأَمَّا الْبِقَاعُ الَّتِي مِنْ الْحَرَمِ، فَإِنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْهَا قَطْعًا، وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ رُكُوبِ بَحْرِ الْحِجَازِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ إقَامَةٍ، وَيُمْنَعُونَ مِنْ الْإِقَامَةِ فِي جَزَائِرِهِ وَسَوَاحِلِهِ الْمَسْكُونَةِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَسْكُونَةِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: وَقَالُوا بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا، وَسُمِّيَ ذَلِكَ حِجَازًا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: لِأَنَّهُ حَجَزَ بَيْنَ نَجْدٍ وَتِهَامَةَ، وَجَزِيرَةِ الْعَرَبِ مِنْ أَقْصَى عَدَنَ إلَى رِيفِ الْعِرَاقِ فِي الطُّولِ، وَفِي الْعَرْضِ مِنْ جُدَّةَ وَمَا وَالَاهَا مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ إلَى أَطْرَافِ الشَّامِ، وَسُمِّيَتْ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ لِإِحَاطَةِ بَحْرِ الْحَبَشَةِ وَبَحْرِ فَارِسَ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ بِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute