للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّمَا تُعْقَدُ لِمَصْلَحَةٍ كَضَعْفِنَا بِقِلَّةِ عَدَدٍ وَأُهْبَةٍ أَوْ رَجَاءِ إسْلَامِهِمْ أَوْ بَذْلِ جِزْيَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَازَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَا سَنَةً، وَكَذَا دُونَهَا فِي الْأَظْهَرِ، وَلِضَعْفٍ تَجُوزُ عَشْرَ سِنِينَ فَقَطْ،

ــ

[مغني المحتاج]

الْإِمَامِ لِلْوَالِي فِي ذَلِكَ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ، لَكِنْ نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى اعْتِبَارِ إذْنِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَالْإِقْلِيمُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَحَدُ الْأَقَالِيمِ السَّبْعَةِ الَّتِي فِي الرُّبْعِ الْمَسْكُونِ مِنْ الْأَرْضِ، وَأَقَالِيمُهَا أَقْسَامُهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الدُّنْيَا مَقْسُومَةٌ عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ عَلَى تَقْدِيرِ أَصْحَابِ الْهَيْئَةِ. .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الشَّرْطِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ (وَإِنَّمَا تُعْقَدُ لِمَصْلَحَةٍ) وَلَا يَكْفِي انْتِفَاءُ الْمَفْسَدَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُوَادَعَتِهِمْ بِلَا مَصْلَحَةٍ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} [محمد: ٣٥] ثُمَّ بَيَّنَ الْمَصْلَحَةَ بِقَوْلِهِ (كَضَعْفِنَا بِقِلَّةِ عَدَدٍ) لَنَا (وَأُهْبَةٍ، أَوْ) لَا لِضَعْفِنَا، بَلْ لِأَجْلِ (رَجَاءِ إسْلَامِهِمْ، أَوْ بَذْلِ جِزْيَةٍ) أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَحَاجَةِ الْإِمَامِ إلَى إعَانَتِهِمْ لَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَادَنَ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ عَامَ الْفَتْحِ» وَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَظْهِرًا عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِرَجَاءِ إسْلَامِهِ، فَأَسْلَمَ قَبْلَ مُضِيِّهَا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: أَوْ رَجَاءِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَضَعْفِنَا، لَا عَلَى الَّذِي يَلِيهِ كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا قَدَّرْتُهُ، فَكَانَ يَنْبَغِي إعَادَةُ الْجَارِ فِيهِ: أَيْ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ تَارَةً تَكُونُ لِضَعْفِنَا لِقِلَّةِ الْعَدَدِ وَالْأُهْبَةِ، وَتَارَةً مَعَ قُوَّتِنَا، وَلَكِنْ لِرَجَاءِ إسْلَامِهِمْ أَوْ غَيْرِهِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الشَّرْطِ الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) بِنَا ضَعْفٌ وَرَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِيهَا (جَازَتْ) وَلَوْ بِلَا عِوَضٍ (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) لِلْآيَةِ الْمَارَّةِ، وَلِمُهَادَنَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَفْوَانَ كَمَا مَرَّ (لَا سَنَةً) فَلَا يَجُوزُ جَزْمًا؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ تَجِبُ فِيهَا الْجِزْيَةُ فَلَا يَجُوزُ تَقْرِيرُهُمْ فِيهَا بِلَا جِزْيَةٍ (وَكَذَا دُونَهَا) فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا يَجُوزُ أَيْضًا (فِي الْأَظْهَرِ) لِزِيَادَتِهَا عَلَى مُدَّةِ السِّيَاحَةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥] هُوَ عَامٌّ إلَّا مَا خُصَّ لِدَلِيلٍ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ. وَالثَّانِي يَجُوزُ لِنَقْصِهَا عَنْ مُدَّةِ الْجِزْيَةِ، وَالْأَوَّلُ نَظَرَ إلَى مَفْهُومِ الْآيَةِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي النُّفُوسِ. أَمَّا أَمْوَالُهُمْ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مُؤَبَّدًا، وَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الدِّيَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، أَوْجَهُهُمَا الْجَوَازُ. وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ الْمُهَادَنَةَ مَعَ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا تَجُوزُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمُدَّةٍ (وَلِضَعْفٍ تَجُوزُ عَشْرَ سِنِينَ) فَمَا دُونَهَا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ (فَقَطْ) فَيُمْتَنَعُ أَكْثَرُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ هَذَا غَايَةُ مُدَّةِ الْهُدْنَةِ، وَلَا يَجُوزُ الْوُصُولُ إلَيْهَا إلَّا عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ لَهَا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَادَنَ قُرَيْشًا فِي الْحُدَيْبِيَةِ هَذِهِ الْمُدَّةَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقْوَى الْإِسْلَامُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا جَرَى ذَلِكَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ جَرَى فِي عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ جَازَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ كُلُّ عَقْدٍ عَلَى عَشْرٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ، قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَعِبَارَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>