وَمَتَى زَادَ عَلَى الْجَائِزِ فَقَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَإِطْلَاقُ الْعَهْدِ يُفْسِدُهُ
وَكَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ عَلَى الصَّحِيحِ بِأَنْ شَرَطَ مَنْعَ فَكِّ أَسْرَانَا، أَوْ تَرْكَ مَالِنَا لَهُمْ، أَوْ لِتُعْقَدَ لَهُمْ ذِمَّةٌ بِدُونِ دِينَارٍ، أَوْ بِدَفْعِ مَالٍ إلَيْهِمْ.
وَتَصِحُّ الْهُدْنَةُ عَلَى أَنْ يَنْقُضَهَا الْإِمَامُ مَتَى شَاءَ.
ــ
[مغني المحتاج]
الرَّوْضَةِ وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَشْرِ، لَكِنْ إنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَالْحَاجَةُ بَاقِيَةٌ اُسْتُؤْنِفَ الْعَقْدُ، وَهَذَا صَحِيحٌ. وَأَمَّا اسْتِئْنَافُ عَقْدٍ إثْرَ عَقْدٍ كَمَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ فَغَرِيبٌ لَا أَحْسَبُ الْأَصْحَابَ يُوَافِقُونَ عَلَيْهِ أَصْلًا. انْتَهَى، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَإِذَا عَقَدَ لَهُمْ هَذِهِ الْمُدَّةَ ثُمَّ اسْتَقْوَيْنَا قَبْلَ فَرَاغِهَا تَمَّتْ لَهُمْ عَمَلًا بِالْعَقْدِ (وَمَتَى زَادَ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ فِي عَقْدِهَا (عَلَى) الصَّدْرِ (الْجَائِزِ) فِيهَا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ بِأَنْ زَادَ فِي حَالِ قُوَّتِنَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ حَالِ ضَعْفِنَا عَلَى عَشْرِ سِنِينَ (فَقَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ) فِي عَقْدِهَا؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ فِي الْعَقْدِ الْوَاحِدِ بَيْنَ مَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ وَمَا لَا يَجُوزُ، أَظْهَرُهُمَا يَبْطُلُ فِي الزَّائِدِ فَقَطْ (وَإِطْلَاقُ الْعَهْدِ) عَنْ ذِكْرِ الْمُدَّةِ فِيهِ (يُفْسِدُهُ) أَيْ عَقَدَ الْهُدْنَةِ لِاقْتِضَائِهِ التَّأْبِيدَ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِمُنَافَاةِ مَقْصُودِهِ الْمَصْلَحَةَ. .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الشَّرْطِ الرَّابِعِ بِقَوْلِهِ (وَكَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ) أَيْ يُشْتَرَطُ خُلُوُّ عَقْدِ الْهُدْنَةِ مِنْ كُلِّ شَرْطٍ فَاسِدٍ (عَلَى الصَّحِيحِ) الْمَنْصُوصِ (بِأَنْ شَرَطَ مَنْعَ فَكِّ أَسْرَانَا) مِنْهُمْ (أَوْ تَرْكَ مَالِنَا) الَّذِي اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَحْثًا: أَوْ مَالِ ذِمِّيٍّ (لَهُمْ أَوْ لِتُعْقَدَ لَهُمْ) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (ذِمَّةٌ بِدُونِ دِينَارٍ، أَوْ) لِتُعْقَدَ لَهُمْ ذِمَّةٌ (بِدَفْعِ مَالٍ إلَيْهِمْ) وَلَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَيْهِ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى بِدُونِ، وَأَشْعَرَ كَلَامُهُ انْحِصَارَ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ فِيمَا ذَكَرَهُ. وَلَيْسَ مُرَادًا، فَمِنْهُ مَا إذَا شَرَطَ أَنْ يُقِيمُوا بِالْحِجَازِ، أَوْ يَدْخُلُوا الْحَرَمَ، أَوْ يُظْهِرُوا الْخُمُورَ فِي دَارِنَا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، فَلَوْ أَتَى الْمُصَنِّفُ بِكَافِ التَّشْبِيهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ كَانَ أَوْلَى. وَالْأَصْلُ فِي مَنْعِ مَا ذُكِرَ قَوْله تَعَالَى: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} [محمد: ٣٥] وَفِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ إهَانَةٌ يَنْبُو الْإِسْلَامُ عَنْهَا. أَمَّا إذَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى دَفْعِهِ بِأَنْ كَانُوا يُعَذِّبُونَ الْأَسْرَى فَفَدَيْنَاهُمْ، أَوْ أَحَاطُوا بِنَا وَخِفْنَا الِاصْطِلَامَ فَيَجُوزُ الدَّفْعُ، بَلْ يَجِبُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَتَصْحِيحُهُ وُجُوبُ الْبَذْلِ هُنَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ آخِرَ السِّيَرِ: إنَّ فَكَّ الْأَسْرَى مُسْتَحَبٌّ. انْتَهَى، وَحَمَلَ الْبُلْقِينِيُّ اسْتِحْبَابَ فَكِّ الْأَسْرَى عَلَى مَا إذَا لَمْ يُعَاقَبُوا، فَإِنْ عُوقِبُوا وَجَبَ، وَحَمَلَ الْغَزِّيُّ الِاسْتِحْبَابَ عَلَى الْآحَادِ، وَالْوُجُوبَ عَلَى الْإِمَامِ وَهَذَا أَوْلَى. تَنْبِيهٌ: إذَا عَقَدْنَا لَهُمْ عَلَى دَفْعِ مَالٍ إلَيْهِمْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ هَلْ الْعَقْدُ صَحِيحٌ أَوْ لَا؟ . قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: عِبَارَةُ كَثِيرٍ تُفْهِمُ صِحَّتَهُ، وَهُوَ بَعِيدٌ، وَالظَّاهِرُ بُطْلَانُهُ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ انْتَهَى، وَلَا يَمْلِكُونَ مَا أُعْطِيَ لَهُمْ لِأَخْذِهِمْ لَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ.
(وَتَصِحُّ الْهُدْنَةُ عَلَى أَنْ يَنْقُضَهَا الْإِمَامُ مَتَى شَاءَ) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَادَعَ يَهُودَ خَيْبَرَ وَقَالَ: أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ» .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَلَوْ قَالَ الْإِمَامُ الْآنَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ بِالْوَحْيِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute