فَلَا تُجْزِي عَجْفَاءُ، وَمَجْنُونَةٌ، وَمَقْطُوعَةُ بَعْضِ أُذُنٍ، وَذَاتُ عَرَجٍ وَعَوَرٍ وَمَرَضٍ وَجَرَبٍ بَيِّنٍ،
ــ
[مغني المحتاج]
فَإِنَّ مَقْطُوعَ الْأُذُنِ أَوْ الْأَلْيَةِ لَا يُجْزِئُ كَمَا سَيَأْتِي مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَحْمٍ، فَلَوْ قَالَ مَا يَنْقُصُ مَأْكُولًا لَكَانَ أَوْلَى، وَلَا فَرْقَ فِي النَّقْصِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الْحَالِ كَقَطْعِ بَعْضِ أُذُنٍ، أَوْ فِي الْمَآلِ كَعَرَجٍ بَيِّنٍ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ اللَّحْمُ أَوْ نَحْوُهُ، فَاعْتُبِرَ مَا يَنْقُصُهُ كَمَا اُعْتُبِرَ فِي عَيْبِ الْمَبِيعِ مَا يُنْقِصُ الْمَالِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ فِيهِ، وَهَذَا الشَّرْطُ مُعْتَبَرٌ فِي وُقُوعِهَا عَلَى وَجْهِ الْأُضْحِيَّةِ الْمَشْرُوعَةِ، فَلَوْ نَذَرَ التَّضْحِيَةَ بِمَعِيبَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ، أَوْ قَالَ جَعَلْتُهَا أُضْحِيَّةً وَجَبَ ذَبْحُهَا فِدْيَةً، وَيُفَرَّقُ لَحْمُهَا صَدَقَةً وَلَا تُجْزِئُ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ، وَتَخْتَصُّ بِوَقْتِ النَّحْرِ وَتَجْرِي مَجْرَى الْأُضْحِيَّةِ فِي الصَّرْفِ.
تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ عَدَمَ إجْزَاءِ التَّضْحِيَةِ بِالْحَامِلِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ يُهْزِلُهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَبِهِ جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَتْبَاعُهُ وَغَيْرُهُمْ، وَفِي بُيُوعِ الرَّوْضَةِ وَصَدَاقِهَا مَا يُوَافِقُهُ، وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ الْمَشْهُورُ أَنَّهَا تُجْزِئُ؛ لِأَنَّ مَا حَصَلَ بِهَا مِنْ نَقْصِ اللَّحْمِ يَنْجَبِرُ بِالْجَنِينِ، فَهُوَ كَالْخَصِيِّ، مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْجَنِينَ قَدْ لَا يَبْلُغُ حَدَّ الْأَكْلِ كَالْمُضْغَةِ، وَلِأَنَّ زِيَادَةَ اللَّحْمِ لَا تَجْبُرُ عَيْبًا بِدَلِيلِ الْعَرْجَاءِ السَّمِينَةِ، وَيَلْحَقُ بِهَا قَرِيبَةُ الْعَهْدِ بِالْوِلَادَةِ لِنَقْصِ لَحْمِهَا وَالْمُرْضِعُ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى شَرْطِ سَلَامَتِهَا مِنْ الْعَيْبِ، قَوْلُهُ (فَلَا تَجْزِيء عَجْفَاءُ) أَيْ ذَاهِبَةُ الْمُخِّ مِنْ شِدَّةِ هُزَالِهَا، وَالْمُخُّ دُهْنُ الْعِظَامِ، لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ «أَرْبَعٌ لَا تُجْزِئُ فِي الْأَضَاحِيِّ: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي» مَأْخُوذَةٌ مِنْ النِّقْيِ بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ، وَهُوَ الْمُخُّ: أَيْ لَا مُخَّ لَهَا (وَ) لَا (مَجْنُونَةٌ) وَهِيَ الَّتِي تَدُورُ فِي الْمَرْعَى وَلَا تَرْعَى إلَّا قَلِيلًا فَتَهْزُلُ، وَتُسَمَّى أَيْضًا التَّوْلَاءَ، بَلْ هُوَ أَوْلَى بِهَا (وَ) لَا (مَقْطُوعَةُ بَعْضِ أُذُنٍ) وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لِذَهَابِ جُزْءٍ مَأْكُولٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ الْمَقْطُوعُ دُونَ الثُّلُثِ أَجْزَأَ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَنْعَ كُلِّ الْأُذُنِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَمَنْعَ الْمَخْلُوقَةِ بِلَا أُذُنٍ، وَهُوَ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ، بِخِلَافِ فَاقِدَةِ الضَّرْعِ أَوْ الْأَلْيَةِ أَوْ الذَّنَبِ خِلْقَةً فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأُذُنَ عُضْوٌ لَازِمٌ غَالِبًا، بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ. أَمَّا فِي الْأَوَّلَيْنِ فَكَمَا يُجْزِئُ ذِكْرُ الْمَعْزِ. وَأَمَّا فِي الثَّالِثِ فَقِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ قِيلَ هِيَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ مِنْ الْمَخْلُوقَةِ بِلَا أُذُنٍ. أَمَّا إذَا فُقِدَ ذَلِكَ بِقَطْعٍ وَلَوْ لِبَعْضٍ مِنْهُ، أَوْ بِقَطْعِ بَعْضِ لِسَانٍ فَإِنَّهُ يَضُرُّ لِحُدُوثِ مَا يُؤَثِّرُ فِي نَقْصِ اللَّحْمِ، وَبَحَثَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ شَلَلَ الْأُذُنِ كَفَقْدِهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مَأْكُولًا، وَلَا يَضُرُّ قَطْعُ فِلْقَةٍ يَسِيرَةٍ مِنْ عُضْوٍ كَبِيرٍ كَفَخِذٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَظْهَرُ بِخِلَافِ الْكَبِيرَةِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْعُضْوِ فَلَا تُجْزِئُ لِنُقْصَانِ اللَّحْمِ (وَ) لَا (ذَاتُ عَرَجٍ) بَيِّنٍ، وَلَوْ حَدَثَ تَحْتَ السِّكِّينِ (وَ) لَا ذَاتُ (عَوَرٍ) بَيِّنٍ وَإِنْ بَقِيَتْ الْحَدَقَةُ (وَ) لَا ذَاتُ (مَرَضٍ) بَيِّنٍ (وَ) لَا ذَاتُ (جَرَبٍ) وَقَوْلُهُ (بَيِّنٍ) رَاجِعٌ لِلْأَرْبَعِ كَمَا تَقَرَّرَ لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ.
فَإِنْ قِيلَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute