وَلَهُ الْأَكْلُ مِنْ أُضْحِيَّةِ تَطَوُّعٍ، وَإِطْعَامُ الْأَغْنِيَاءِ، لَا تَمْلِيكُهُمْ، وَيَأْكُلُ ثُلُثًا، وَفِي قَوْلٍ نِصْفًا،
ــ
[مغني المحتاج]
وَيُسْتَثْنَى مَا لَوْ وَكَّلَ كَافِرًا فِي الذَّبْحِ فَلَا تَكْفِيهِ النِّيَّةُ عِنْدَ الذَّبْحِ فِي الظَّاهِرِ اهـ. وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ تَقْدِيمِ النِّيَّةِ عَلَى الذَّبْحِ، وَقَدْ صَحَّحَ خِلَافَهُ فِيمَا مَضَى، وَقَدْ مَرَّ مَا فِيهِ، وَقَدْ يُوهِمُ أَيْضًا عَدَمَ جَوَازِ النِّيَّةِ مِنْ الْوَكِيلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْوَكِيلُ كِتَابِيًّا أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ. أَمَّا إذَا وَكَّلَ مُسْلِمًا مُمَيِّزًا وَفَوَّضَ إلَيْهِ النِّيَّةَ فَإِنَّهُ يَكْفِي لِصِحَّتِهَا مِنْهُ. .
النَّوْعُ الرَّابِعُ حُكْمُ الْأَكْلِ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ، وَقَدْ شَرَعَ فِيهِ بِقَوْلِهِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُضَحِّي (الْأَكْلُ مِنْ أُضْحِيَّةِ تَطَوُّعٍ) ضَحَّى بِهَا عَنْ نَفْسِهِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ قِيَاسًا عَلَى هَدْيِ التَّطَوُّعِ الثَّابِتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: ٢٨] أَيْ الشَّدِيدَ الْفَقْرِ، وَفِي الْبَيْهَقِيّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ كَبِدِ أُضْحِيَّتِهِ» وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْأَكْلُ مِنْهَا كَمَا قِيلَ بِهِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الحج: ٣٦] فَجَعَلَهَا لَنَا، وَمَا جُعِلَ لِلْإِنْسَانِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَرْكِهِ وَأَكْلِهِ قَالَ فِي الْمُهَذَّبِ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَنْ ضَحَّى عَنْ غَيْرِهِ كَمَيِّتٍ بِشَرْطِهِ الْآتِي فَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ الْأَكْلُ مِنْهَا، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَفَّالُ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَقَعَتْ عَنْهُ، فَلَا يَحِلُّ الْأَكْلُ مِنْهَا إلَّا بِإِذْنِهِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهَا عَنْهُ، وَالْأُضْحِيَّةُ الْوَاجِبَةُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا شَيْئًا غَرِمَ بَدَلَهُ (وَ) لَهُ (إطْعَامُ الْأَغْنِيَاءِ) الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي الْبُوَيْطِيِّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: ٣٦] قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ: أَنَّ الْقَانِعَ الْفَقِيرُ، وَالْمُعْتَرَّ الزَّائِرُ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْقَانِعَ السَّائِلُ، وَالْمُعْتَرَّ الَّذِي يَتَعَرَّضُ لِلسُّؤَالِ وَيَحُومُ حَوْلَهُ، وَقِيلَ الْقَانِعُ الْجَالِسُ فِي بَيْتِهِ، وَالْمُعْتَرُّ الَّذِي يَسْأَلُ، يُقَالُ قَنَعَ يَقْنَعُ قُنُوعًا بِفَتْحِ عَيْنِ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ إذَا سَأَلَ وَقَنِعَ يَقْنَعُ قَنَاعَةً بِكَسْرِ عَيْنِ الْمَاضِي وَفَتْحِ عَيْنِ الْمُضَارِعِ إذَا رَضِيَ بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ. قَالَهُ الشَّاعِرُ:
الْعَبْدُ حُرٌّ إنْ قَنِعْ وَالْحُرُّ عَبْدٌ إنْ طَمَعْ ... فَاقْنَعْ وَلَا تَطْمَعْ فَمَا
شَيْءٌ يَشِينُ سِوَى الطَّمَعْ
(لَا تَمْلِيكُهُمْ) مِنْهَا شَيْئًا، فَلَا يَجُوزُ بَلْ يُرْسَلُ إلَيْهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ وَلَا يَتَصَرَّفُوا فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ أُضْحِيَّةَ الْإِمَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَيَمْلِكُ الْأَغْنِيَاءُ مَا يُعْطِيهِمْ مِنْهَا. أَمَّا الْفُقَرَاءُ فَيَجُوزُ تَمْلِيكُهُمْ مِنْهَا وَيَتَصَرَّفُونَ فِيمَا مَلَكُوهُ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ (وَيَأْكُلُ ثُلُثًا) عَلَى الْجَدِيدِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: ٣٦] وَأَمَّا الثُّلُثَانِ، فَقِيلَ يَتَصَدَّقُ بِهِمَا. وَقِيلَ: وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْبُوَيْطِيُّ: يُهْدِي لِلْأَغْنِيَاءِ ثُلُثًا وَيَتَصَدَّقُ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِثُلُثٍ وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا شَيْئًا (وَفِي قَوْلٍ) قَدِيمٍ يَأْكُلُ (نِصْفًا) وَيَتَصَدَّقُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: ٢٨] فَجَعَلَهَا عَلَى قِسْمَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute