وَيَحِلُّ جَنِينٌ وُجِدَ مَيِّتًا فِي بَطْنِ مُذَكَّاةٍ.
وَمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مَوْتًا أَوْ مَرَضًا مَخُوفًا
ــ
[مغني المحتاج]
«لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا، وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ» ، ثُمَّ مِنْ صِنَاعَةٍ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ فِيهَا يَحْصُلُ بِكَدِّ الْيَمِينِ، ثُمَّ مِنْ تِجَارَةٍ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَكْتَسِبُونَ بِهَا،.
وَيَحْرُمُ تَنَاوُلُ مَا يَضُرُّ الْبَدَنَ أَوْ الْعَقْلَ كَالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ وَالزُّجَاجِ وَالسُّمِّ بِتَثْلِيثِ السِّينِ، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ كَالْأَفْيُونِ، وَهُوَ لَبَنُ الْخَشْخَاشِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُضِرٌّ، وَرُبَّمَا يَقْتُلُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥] لَكِنَّ قَلِيلَهُ يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ لِلتَّدَاوِي بِهِ إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ وَاحْتِيجَ إلَيْهِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ.
وَيَحِلُّ أَكْلُ كُلِّ طَاهِرٍ لَا ضَرَرَ فِيهِ لِآيَةِ {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ} [الأعراف: ٣٢] إلَّا جِلْدَ مَيْتَةٍ دُبِغَ، فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] أَمَّا جِلْدُ الْمُذَكَّاةِ فَيَحِلُّ أَكْلُهُ وَإِنْ دُبِغَ وَإِلَّا مَا اُسْتُقْذِرَ كَالْمُخَاطِ وَالْمَنِيِّ لِاسْتِقْذَارِهِ، وَإِلَّا الْحَيَوَانَ الْحَيَّ غَيْرَ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي بَابِ الصَّيْدِ.
وَفِي حِلِّ أَكْلِ بِيضِ مَا لَا يُؤْكَلُ خِلَافٌ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِذَا قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ حَلَّ أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُسْتَقْذَرٍ، بِخِلَافِ الْمَنِيِّ، وَمَالَ الْبُلْقِينِيُّ إلَى الْمَنْعِ، وَيَحْرُمُ النَّبَاتُ الْمُسْكِرُ وَإِنْ لَمْ يُطْرِبْ لِإِضْرَارِهِ بِالْعَقْلِ، وَلَا حَدَّ فِيهِ إنْ لَمْ يُطْرِبْ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْرَبَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِهِ عِنْدَ فَقْدِ غَيْرِهِ مِمَّا يَقُومُ مَقَامَهُ وَإِنْ أَسْكَرَ لِلضَّرُورَةِ، وَمَا لَا يُسْكِرُ إلَّا مَعَ غَيْرِهِ يَحِلُّ أَكْلُهُ وَحْدَهُ.
(وَيَحِلُّ جَنِينٌ وُجِدَ مَيِّتًا) أَوْ عَيْشُهُ عَيْشُ مَذْبُوحٍ، سَوَاءٌ أَشْعَرَ أَمْ لَا (فِي بَطْنِ مُذَكَّاةٍ) بِالْمُعْجَمَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ ذَكَاتُهَا بِذَبْحِهَا، أَوْ إرْسَالِ سَهْمٍ أَوْ كَلْبٍ عَلَيْهَا لِحَدِيثِ «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ أَيْ ذَكَاتُهَا الَّتِي أَحَلَّتْهَا أَحَلَّتْهُ تَبَعًا لَهَا وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا، وَذَكَاتُهَا ذَكَاةٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحِلَّ بِذَكَاةِ أُمِّهِ لَحُرِّمَ ذَكَاتُهَا مَعَ ظُهُورِ الْحَمْلِ كَمَا لَا تُقْتَلُ الْحَامِلُ قَوَدًا أَمَّا إذَا خَرَجَ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَلَا يَحِلُّ بِذَكَاةِ أُمِّهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَسْكُنَ عَقِبَ ذَبْحِ أُمِّهِ، فَلَوْ اضْطَرَبَ فِي الْبَطْنِ بَعْدَ ذَبْحِ أُمِّهِ زَمَانًا طَوِيلًا ثُمَّ سَكَنَ لَمْ يَحِلَّ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ وَأَقَرَّاهُ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبَغَوِيّ وَالْمَرْوَزِيُّ وَقَالَا بِالْحِلِّ مُطْلَقًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْأَصْحَابِ إذَا مَاتَ بِذَكَاةِ أُمِّهِ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ ذَكَاتِهَا مَيْتَةٌ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّ ذَكَاةَ الْأُمِّ لَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ وَالْحَدِيثُ يُشِيرُ إلَيْهِ اهـ.
وَعَلَى هَذَا لَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ مَيِّتًا ثُمَّ ذُبِحَتْ أُمُّهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ لَمْ يَحِلَّ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبَغَوِيّ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَحِلُّ الْحِلِّ مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ يُحَالُ عَلَيْهِ مَوْتُهُ، فَلَوْ ضَرَبَ حَامِلًا عَلَى بَطْنِهَا وَكَانَ الْجَنِينُ مُتَحَرِّكًا فَسَكَنَ حَتَّى ذُبِحَتْ أُمُّهُ فَوُجِدَ مَيِّتًا لَمْ يَحِلَّ، وَلَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ لَمْ يَجِبْ ذَبْحُهُ حَتَّى يَخْرُجَ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ بَعْضِهِ كَعَدَمِ خُرُوجِهِ فِي الْعُدَّةِ وَغَيْرِهَا فَيَحِلُّ إنْ مَاتَ عَقِبَ خُرُوجِهِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ وَإِنْ صَارَ بِخُرُوجِ رَأْسِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ، وَشَرْطُ حِلِّهِ أَنْ يَخْرُجَ مُضْغَةً مُخَلَّقَةً، فَإِنْ كَانَ عَلَقَةً لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّهُ دَمٌ وَلَوْ لَمْ تَتَخَطَّطْ الْمُضْغَةُ لَمْ تَحِلَّ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْغُرَّةِ فِيهَا وَعَدَمِ ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ يَعْنِي لَوْ كَانَتْ مِنْ آدَمِيٍّ، وَلَوْ كَانَ لِلْمُذَكَّاةِ عُضْوٌ أَشَلُّ حَلَّ كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا.
(وَمَنْ خَافَ) مِنْ عَدَمِ الْأَكْلِ (عَلَى نَفْسِهِ مَوْتًا أَوْ مَرَضًا مَخُوفًا) أَوْ زِيَادَتَهُ، أَوْ طُولَ مُدَّتِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute