للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَوَجَدَ مُحَرَّمًا لَزِمَهُ أَكْلُهُ.

وَقِيلَ يَجُوزُ.

فَإِنْ تَوَقَّعَ حَلَالًا قَرِيبًا لَمْ يَجُزْ غَيْرُ سَدِّ الرَّمَقِ،

ــ

[مغني المحتاج]

أَوْ انْقِطَاعَهُ عَنْ رُفْقَتِهِ، أَوْ خَوْفَ ضَعْفٍ عَنْ مَشْيٍ أَوْ رُكُوبٍ وَلَمْ يَجِدْ حَلَالًا يَأْكُلُهُ، وَيُسَمَّى هَذَا الْخَائِفُ مُضْطَرًّا (وَوَجَدَ مُحَرَّمًا) كَمَيْتَةٍ وَلَحْمِ خِنْزِيرٍ وَطَعَامِ الْغَيْرِ (لَزِمَهُ أَكْلُهُ) لِأَنَّ تَارِكَهُ سَاعٍ فِي هَلَاكِ نَفْسِهِ، وَكَمَا يَجِبُ دَفْعُ الْهَلَاكِ بِأَكْلِ الْحَلَالِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩] قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خَوْفُ حُصُولِ الشَّيْنِ الْفَاحِشِ فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ كَخَوْفِ طُولِ الْمَرَضِ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ، وَلَا يُشْتَرَطُ مِمَّا يُخَافُ مِنْهُ تَحَقُّقُ وُقُوعِهِ لَوْ لَمْ يَأْكُلْ، بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ الظَّنُّ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى أَكْلِ ذَلِكَ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّيَقُّنُ وَلَا الْإِشْرَافُ عَلَى الْمَوْتِ، بَلْ لَوْ انْتَهَى إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُهُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ.

تَنْبِيهٌ لَوْ اضْطَرَّتْ امْرَأَةٌ إلَى طَعَامٍ وَامْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ بَذْلِهِ إلَّا بِوَطْئِهَا زِنًا قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا، وَاَلَّذِي ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا تَمْكِينُهُ بِخِلَافِ إبَاحَةِ الْمَيْتَةِ، فَإِنَّ الْمُضْطَرَّ فِيهَا إلَى نَفْسِ الْمُحَرَّمِ وَتَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ، وَهَذَا الِاضْطِرَارُ لَيْسَ إلَى الْمُحَرَّمِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الْمُحَرَّمُ وَسِيلَةً إلَيْهِ، وَقَدْ لَا تَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ، إذْ قَدْ يُصِرُّ عَلَى الْمَنْعِ بَعْدَ وَطْئِهَا.

(وَقِيلَ) : لَا يَلْزَمُ الْمُضْطَرَّ أَكْلُ الْمُحَرَّمِ، بَلْ (يَجُوزُ) تَرْكُهُ وَأَكْلُهُ كَمَا يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِسْلَامُ لِلصَّائِلِ.

وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الِاسْتِسْلَامَ لِلصَّائِلِ يُؤْثِرُ مُهْجَةَ غَيْرِهِ عَلَى مُهْجَتِهِ طَلَبًا لِلشَّهَادَةِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ عِلْمُ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ، فَلَا يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ حَتَّى يَتُوبَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْعَاصِي بِإِقَامَتِهِ كَالْمُسَافِرِ إذَا كَانَ الْأَكْلُ عَوْنًا لَهُ عَلَى الْإِقَامَةِ، وَقَوْلُهُمْ تُبَاحُ الْمَيْتَةُ لِلْمُقِيمِ الْعَاصِي بِإِقَامَتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَكَالْعَاصِي بِسَفَرِهِ مُرَاقُ الدَّمِ كَالْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ فَلَا يَأْكُلَانِ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يُسْلِمَا قَالَ وَكَذَا مُرَاقُ الدَّمِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إسْقَاطِ الْقَتْلِ بِالتَّوْبَةِ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ قَتَلَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ قَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ.

تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ الْمُحَرَّمَ أَنْ يَتَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْوَاعِهِ كَمَيْتَةِ شَاةٍ وَحِمَارٍ، لَكِنْ لَوْ كَانَتْ الْمَيْتَةُ مِنْ حَيَوَانٍ نَجِسٍ فِي حَيَاتِهِ كَخِنْزِيرٍ وَمَيْتَةِ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ فِي حَيَاتِهِ كَحِمَارٍ وَجَبَ تَقْدِيمُ مَيْتَةِ الطَّاهِرِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي صَحَّحَهُ لَيْسَ وَجْهًا ثَابِتًا فَضْلًا عَنْ تَصْحِيحِهِ اهـ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ وَجْهٌ ثَابِتٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي.

(فَإِنْ تَوَقَّعَ) مُضْطَرٌّ (حَلَالًا قَرِيبًا) أَيْ عَلَى قُرْبٍ (لَمْ يَجُزْ) قَطْعًا (غَيْرُ سَدِّ الرَّمَقِ) لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِهِ، وَقَدْ يَجِدُ بَعْدَهُ الْحَلَالَ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} [المائدة: ٣] قِيلَ أَرَادَ بِهِ الشِّبَعَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَالرَّمَقُ بَقِيَّةُ الرُّوحِ كَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ الْقُوَّةُ، وَبِذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ الشَّدَّ الْمَذْكُورَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ لَا بِالْمُهْمَلَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الَّذِي نَحْفَظُهُ أَنَّهُ بِالْمُهْمَلَةِ؛ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْكُتُبِ أَيْ وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْمُرَادَ سَدُّ الْخَلَلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>