فَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ حَرَامٍ عَصَى وَلَزِمَهُ الْحِنْثُ، وَكَفَّارَةٌ
أَوْ تَرْكِ مَنْدُوبٍ، أَوْ فِعْلِ مَكْرُوهٍ سُنَّ حِنْثُهُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.
أَوْ تَرْكِ مُبَاحٍ أَوْ فِعْلِهِ فَالْأَفْضَلُ تَرْكُ الْحِنْثِ، وَقِيلَ الْحِنْثُ.
ــ
[مغني المحتاج]
عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَحْلِفُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَلِفُ، فَإِنْ كَانَ يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ وَعَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فَيَتَخَيَّرُ أَيْضًا، وَإِلَّا فَاَلَّذِي أَرَاهُ وُجُوبُ الْحَلِفِ. دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ كَذِبِ الْخَصْمِ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
(فَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ) كَتَرْكِ الصُّبْحِ (أَوْ فِعْلِ حَرَامٍ) كَالسَّرِقَةِ (عَصَى) بِحَلِفِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ الصُّورَةِ الْأُولَى مَسْأَلَتَيْنِ: الْأُولَى: الْوَاجِبُ الَّذِي يُمْكِنُ سُقُوطُهُ كَالْقِصَاصِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ سُقُوطُهُ بِالْعَفْوِ. الثَّانِيَةُ: الْوَاجِبُ عَلَى الْكِفَايَةِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي عَلَى فُلَانٍ الْمَيِّتِ حَيْثُ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَعْصِي بِهَذَا الْحَلِفِ (وَلَزِمَهُ) عِنْدَ عِصْيَانِهِ (الْحِنْثُ وَكَفَّارَةٌ) لِأَنَّ الْإِقَامَةَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ مَعْصِيَةٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «مَنْ حَلَفَ يَمِينًا فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» .
تَنْبِيهٌ إنَّمَا يَلْزَمُهُ الْحِنْثُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ سِوَاهُ، وَإِلَّا فَلَا: كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ، فَإِنَّ لَهُ طَرِيقًا سِوَاهُ: كَأَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ صَدَاقِهَا أَوْ يُقْرِضَهَا ثُمَّ يُبَرِّئَهَا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ حَاصِلٌ مَعَ بَقَاءِ التَّعْظِيمِ، وَعَكْسُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ وَاجِبٍ أَوْ تَرْكِ حَرَامٍ أَطَاعَ بِالْيَمِينِ، وَعَصَى بِالْحِنْثِ، وَعَلَيْهِ بِهِ الْكَفَّارَةُ.
(أَوْ) حَلَفَ عَلَى (تَرْكِ مَنْدُوبٍ) كَسُنَّةِ الضُّحَى (أَوْ) عَلَى (فِعْلِ مَكْرُوهٍ) كَالْتِفَاتِهِ بِوَجْهِهِ فِي الصَّلَاةِ (سُنَّ حِنْثُهُ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَالْإِقَامَةَ عَلَيْهَا مَكْرُوهَانِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} [النور: ٢٢] نَزَلَتْ فِي الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَقَدْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِرَّ مِسْطَحًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى رَبِّ وَبَرَّهُ،
وَأُجِيبَ عَنْ حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ حَيْثُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ بِأَنَّ يَمِينَهُ تَضَمَّنَ طَاعَةً، وَهُوَ امْتِثَالُ الْأَمْرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى قَوْلِهِ: " لَا أَزِيدُ " فَكَانَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ.
تَنْبِيهٌ اُخْتُلِفَ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَيِّبًا وَلَا يَلْبَسُ نَاعِمًا، فَقِيلَ: مَكْرُوهٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ} [الأعراف: ٣٢] وَقِيلَ: طَاعَةٌ لِمَا عُرِفَ مِنْ اخْتِيَارِ السَّلَفِ خُشُونَةَ الْعَيْشِ، وَقِيلَ: يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَقُصُورِهِمْ وَفَرَاغِهِمْ لِلْعِبَادَةِ وَاشْتِغَالِهِمْ بِالضَّيِّقِ وَالسَّعَةِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ الصَّوَابُ.
(أَوْ) عَلَى (تَرْكِ مُبَاحٍ) مُعَيَّنٍ (أَوْ فِعْلِهِ) كَدُخُولِ دَارٍ وَأَكْلِ طَعَامٍ وَلُبْسِ ثَوْبٍ (فَالْأَفْضَلُ) لَهُ (تَرْكُ الْحِنْثِ) بَلْ يُسَنُّ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: ٩١] (وَقِيلَ:) الْأَفْضَلُ لَهُ (الْحِنْثُ) لِيَنْتَفِعَ الْفُقَرَاءُ بِالْكَفَّارَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ أَذًى لِلْغَيْرِ، فَإِنْ كَانَ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ أَقَارِبِهِ أَوْ صَدِيقٍ يُكْرَهُ