وَلَهُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ بِغَيْرِ صَوْمٍ عَلَى حِنْثٍ جَائِزٍ قِيلَ: وَحَرَامٍ. قُلْتُ: هَذَا أَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَكَفَّارَةِ ظِهَارٍ عَلَى الْعَوْدِ.
ــ
[مغني المحتاج]
ذَلِكَ، فَالْأَفْضَلُ الْحِنْثُ قَطْعًا، وَعَقْدُ الْيَمِينِ عَلَى ذَلِكَ مَكْرُوهٌ بِلَا شَكٍّ، وَكَذَا حُكْمُ الْأَكْلِ وَاللُّبْسِ.
تَنْبِيهٌ مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ مَنْدُوبٍ أَوْ تَرْكِ مَكْرُوهٍ كُرِهَ حِنْثُهُ، وَعَلَيْهِ بِالْحِنْثِ كَفَّارَةٌ، وَقَدْ عُلِمَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تُغَيِّرُ حَالَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَمَّا كَانَ وُجُوبًا وَتَحْرِيمًا وَنَدْبًا وَكَرَاهَةً وَإِبَاحَةً، لَكِنَّ قَوْلَ الْمَتْنِ فِي الْمُبَاحِ: الْأَفْضَلُ تَرْكُ الْحِنْثِ، فِيهِ تَغَيُّرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ رَجَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّ فِيهِ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْحِنْثِ وَعَدَمِهِ فَيَكُونُ جَارِيًا عَلَى الْقَاعِدَةِ.
(وَلَهُ) أَيْ الْحَالِفِ (تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ بِغَيْرِ صَوْمٍ) مِنْ عِتْقٍ أَوْ إطْعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ (عَلَى حِنْثٍ جَائِزٍ) وَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ أَوْ مُبَاحٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ وَجَبَ بِسَبَبَيْنِ فَجَازَ تَعْجِيلُهُ بَعْدَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا كَالزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُكَفِّرَ حَتَّى يَحْنَثَ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: " عَلَى حِنْثٍ " عَنْ تَقْدِيمِهَا عَلَى الْيَمِينِ، فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا مُقَارَنَتُهَا لِلْيَمِينِ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ مَنْ يُعْتِقُ عَنْهَا مَعَ شُرُوعِهِ فِي الْيَمِينِ. أَمَّا الصَّوْمُ فَيَمْتَنِعُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْحِنْثِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، فَلَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهَا عَلَى وَقْتِ وُجُوبِهَا بِغَيْرِ حَاجَةٍ كَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَاحْتَرَزَ بِغَيْرِ حَاجَةٍ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ (وَقِيلَ: وَ) لَهُ تَقْدِيمُهَا عَلَى حِنْثٍ (حَرَامٍ) كَالْحِنْثِ بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ حَرَامٍ (قُلْتُ: هَذَا) الْوَجْهُ (أَصَحُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) مِنْ مُقَابِلِهِ وَهُوَ الْمَنْعُ الَّذِي، جَرَى عَلَيْهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنْ يَتَطَرَّقَ بِهِ لِارْتِكَابِ مَحْظُورٍ، وَالتَّعْجِيلُ رُخْصَةٌ فَلَا تَلِيقُ بِالْعَاصِي، لِأَنَّ الْحَظْرَ فِي الْفِعْلِ لَيْسَ مِنْ حِنْثِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ حَرَامٌ قَبْلَ الْيَمِينِ وَبَعْدَهَا، فَالتَّكْفِيرُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اسْتِبَاحَةٌ.
تَنْبِيهٌ إذَا قَدَّمَ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْحِنْثِ وَلَمْ يَحْنَثْ اسْتَرْجَعَ كَالزَّكَاةِ، قَالَهُ الدَّارِمِيُّ، وَلَوْ قَدَّمَ الْعِتْقَ اُشْتُرِطَ فِي إجْزَائِهِ بَقَاءُ الْعَتِيقِ حَيًّا مُسْلِمًا إلَى الْحِنْثِ، فَلَوْ مَاتَ أَوْ ارْتَدَّ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا عَنْ كَفَّارَتِهِ وَمَاتَ قَبْلَ حِنْثِهِ كَأَنْ عَتَقَهُ تَطَوُّعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ.
فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ: أَعْتَقْت عَبْدِي عَنْ كَفَّارَتِي إنْ حَنِثْت أَجْزَأَهُ، وَإِنْ قَالَ إنْ حَلَفْتُ لَمْ يُجْزِهِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ حَنِثْت غَدًا فَعَبْدِي حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي، فَإِنْ حَنِثَ غَدًا أُعْتِقَ، وَأَجْزَأَهُ عَنْهَا، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ قَالَ: أَعْتَقْتُهُ عَنْ كَفَّارَتِي إنْ حَنِثْتُ فَبَانَ حَانِثًا وَأَجْزَأَهُ عَنْهَا، وَإِلَّا فَلَا. نَعَمْ إنْ حَنِثَ بَعْدَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ عَنْهَا، وَلَوْ قَالَ: إنْ حَلَفْتُ وَحَنِثْتُ فَبَانَ حَالِفًا لَمْ يُجْزِهِ، قَالَهُ الْبَغَوِيّ لِلشَّكِّ فِي الْحَلِفِ.
(وَ) لَهُ تَقْدِيمُ (كَفَّارَةِ ظِهَارٍ) بِغَيْرِ صَوْمٍ كَمَا مَرَّ مِنْ عِتْقٍ أَوْ إطْعَامٍ (عَلَى الْعَوْدِ) فِي الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ وَالْكَفَّارَةُ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ كَمَا أَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْيَمِينِ، وَصَوَّرُوا التَّقْدِيمَ عَلَى الْعَوْدِ بِمَا إذَا ظَاهَرَ مِنْ رَجْعِيَّةٍ ثُمَّ كَفَّرَ ثُمَّ رَاجَعَهَا، وَبِمَا إذَا طَلَّقَ بَعْدَ الظِّهَارِ رَجْعِيًّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute