للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُوَ ضَرْبَانِ نَذْرُ لَجَاجٍ: كَإِنْ كَلَّمْتُهُ فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقٌ أَوْ صَوْمٌ، وَفِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَفِي قَوْلٍ مَا الْتَزَمَ، وَفِي قَوْلٍ أَيُّهُمَا شَاءَ. قُلْت: الثَّالِثُ

ــ

[مغني المحتاج]

وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: الْمَكْرُوهُ الْتِزَامُ الْقُرْبَةِ، إذْ رُبَّمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ قُرْبَةٌ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ دُونَ غَيْرِهِ اهـ. وَهَذَا أَوْجَهُ.

وَأَرْكَانُ النَّذْرِ ثَلَاثَةٌ: نَاذِرٌ، وَصِيغَةٌ، وَمَنْذُورٌ. وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَوَّلَيْنِ. أَمَّا النَّاذِرُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ التَّكْلِيفُ، وَالْإِسْلَامُ، وَالِاخْتِيَارُ، وَنُفُوذُ التَّصَرُّفِ فِيمَا يَنْذُرُهُ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ؛ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمَا لِلِالْتِزَامِ إلَّا السَّكْرَانَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ لِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْقُرْبَةِ أَوْ الْتِزَامُهَا، وَإِنَّمَا صَحَّ وَقْفُهُ وَعِتْقُهُ وَوَصِيَّتُهُ وَصَدَقَتُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا عُقُودٌ مَالِيَّةٌ لَا قُرْبَةٌ وَلَا مُكْرَهٌ لِخَبَرِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَلَا مِمَّنْ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيمَا يَنْذُرُهُ كَنَذْرِ السَّفِيهِ الْقُرَبَ الْمَالِيَّةَ الْعَيْنِيَّةَ كَعِتْقِ هَذَا الْعَبْدِ. وَيَصِحُّ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ فِي الْقُرَبِ الْبَدَنِيَّةِ وَلَا حَجْرَ عَلَيْهِمَا فِي الذِّمَّةِ، فَيَصِحُّ نَذْرُهُمَا الْمَالِيُّ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يُؤَدِّيَانِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُمَا، وَيَصِحُّ نَذْرُ الرَّقِيقِ الْمَالِيَّ فِي ذِمَّتِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ.

فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَمَا لَا يَصِحَّ ضَمَانُهُ فِي ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ.

أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي النَّذْرِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إذْ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي قُرْبَةٍ بِخِلَافِ الضَّمَانِ، وَالْأَصَحُّ انْعِقَادُ نَذْرِهِ الْحَجَّ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيُشْبِهُ أَنَّ غَيْرَ الْحَجِّ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الصِّيغَةُ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالْتِزَامٍ فَلَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَتَنْعَقِدُ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا انْعِقَادُهُ بِكِنَايَةِ النَّاطِقِ مَعَ النِّيَّةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ أَوْلَى بِالِانْعِقَادِ بِهَا مَعَ الْبَيْعِ (وَهُوَ) أَيْ النَّذْرُ (ضَرْبَانِ) أَحَدُهُمَا: (نَذْرُ لَجَاجٍ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ، وَهُوَ التَّمَادِي فِي الْخُصُومَةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِوُقُوعِهِ حَالَ الْغَضَبِ، وَيُقَالُ لَهُ يَمِينُ اللَّجَاجِ، وَالْغَضَبِ وَيَمِينُ الْغَلَقِ، وَنَذْرُ الْغَلَقِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَاللَّامِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ بِأَنْ يَقْصِدَ النَّاذِرُ مَنْعَ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ شَيْءٍ أَوْ يَحُثُّ عَلَيْهِ أَوْ يُحَقِّقُ خَبَرًا أَوْ غَضَبًا بِالْتِزَامِ قُرْبَةٍ (كَإِنْ كَلَّمْتُهُ) أَيْ زَيْدًا مَثَلًا، أَوْ إنْ لَمْ أُكَلِّمْهُ، أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَمَا قُلْته (فَلِلَّهِ عَلَيَّ) أَوْ فَعَلَيَّ (عِتْقٌ أَوْ صَوْمٌ) أَوْ نَحْوُهُ كَصَدَقَةٍ وَحَجٍّ وَصَلَاةٍ (وَفِيهِ) عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ (كَفَّارَةُ يَمِينٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلَا كَفَّارَةَ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ قَطْعًا فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ اللَّجَاجُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَحَفْصَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (وَفِي قَوْلٍ) يَجِبُ عَلَى النَّاذِرِ فِي ذَلِكَ (مَا الْتَزَمَ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَذَرَ وَسَمَّى فَعَلَيْهِ مَا سَمَّى» وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ عِبَادَةً عِنْدَ مُقَابَلَةِ شَرْطٍ فَتَلْزَمُهُ عِنْدَ وُجُودِهِ (وَفِي قَوْلٍ أَيُّهُمَا) أَيْ الْأَمْرَيْنِ (شَاءَ) أَيْ النَّاذِرُ فَيَخْتَارُ وَاحِدًا مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى قَوْلِهِ اخْتَرْت، حَتَّى لَوْ اخْتَارَ مُعَيَّنًا مِنْهُمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ وَلَهُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ (قُلْت) هَذَا (الثَّالِثُ) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>