للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ هَدْيًا لَزِمَهُ حَمْلُهُ إلَى مَكَّةَ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ عَلَى مَنْ بِهَا.

ــ

[مغني المحتاج]

الْفِعْلِ فِي الْوَقْتِ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا كَانَ ذَلِكَ كَالْحَجِّ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقَضَاءُ كَمَا مَرَّ فِيهِ؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ كَالْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ، وَقَدْ تَجِبُ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ مَعَ الْعَجْزِ فَلَزِمَا بِالنَّذْرِ، وَالْحَجُّ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ الِاسْتِطَاعَةِ فَكَذَا حُكْمُ النَّذْرِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْمَنْعُ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَا سَبِيلَ فِيهِ إلَى الْمَنْعِ مِنْ النِّيَّةِ فَإِنَّهَا بِالْقَلْبِ، وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْفِطْرِ لَمْ يُفْطِرْ عَلَى الْأَصَحِّ وَالصَّلَاةُ يُمْكِنُ فِعْلُهَا مَعَ الْإِكْرَاهِ بِإِمْرَارِ أَفْعَالِهَا عَلَى قَلْبِهِ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ وَيَقْضِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ نَادِرٌ كَمَا فِي الْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ؟ .

أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ ذَلِكَ يُتَصَوَّرُ بِالْأَسِيرِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ يَأْكُلُ خَوْفًا مِنْ الْقَتْلِ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنْ يَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ عَلَى التَّلَبُّسِ بِهَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ أَوْ نَحْوِهَا. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُمْ: إنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ كَالْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَلَاةً فِي يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ صَلَوَاتِ ذَلِكَ الْيَوْمِ.

أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مُسْتَثْنًى كَبَقِيَّةِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ. أَمَّا إذَا نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ فِي غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ أَوْ الصَّوْمَ فِي يَوْمِ الشَّكِّ فَقَدْ مَرَّ أَنَّ نَذْرَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ وَإِنْ صَحَّ فِعْلُ الْمَنْذُورِ فِيهِمَا.

(أَوْ) نَذَرَ (هَدْيًا) أَيْ أَنْ يَهْدِيَ شَيْئًا سَمَّاهُ مِنْ نَعَمٍ أَوْ غَيْرِهَا كَأَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ شَاةً أَوَثَوْبًا إلَى مَكَّةَ أَوْ الْحَرَمِ (لَزِمَهُ حَمْلُهُ إلَى مَكَّةَ) أَوْ الْحَرَمِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْهَدْيِ (وَ) لَزِمَهُ (التَّصَدُّقُ بِهِ عَلَى مَنْ بِهَا) مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غَرِيبًا كَانَ أَوْ مُسْتَوْطِنًا فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهُ وَتَفْرِقَةُ ثَمَنِهِ وَيَنْزِلُ بِعَيْنِهِ مَنْزِلَةَ الْأُضْحِيَّةِ وَالشَّاةِ فِي الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ الْحَيَوَانُ لَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَالظِّبَاءِ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِهِ حَيًّا، فَإِنْ ذَبَحَهُ لَمْ يَجُزْ، إذْ لَا قُرْبَةَ فِي ذَبْحِهِ لِعَدَمِ إجْزَائِهِ أُضْحِيَّةً، وَغَرِمَ الْأَرْشَ إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِالذَّبْحِ وَتَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ لَزِمَهُ ذَبْحُهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَتَفْرِقَةُ لَحْمِهِ عَلَى مَنْ ذُكِرَ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْهَدْيِ قَدْ يُوهِمُ اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَلَوْ قَالَ: شَيْئًا كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ كَانَ أَوْلَى، وَكَانَ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِالْحَرَمِ بَدَلًا عَنْ مَكَّةَ لِيَسْتَغْنِيَ عَمَّا زِدْته فِي كَلَامِهِ فَإِنَّ حَمْلَهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِمَكَّةَ، بَلْ يَعُمُّ سَائِرَ الْحَرَمِ، وَقَوْلُهُ: حَمْلُهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ فِيمَا سَهُلَ نَقْلُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ. أَمَّا مَا تَعَذَّرَ نَقْلُهُ مِمَّا أَهْدَاهُ كَالدَّارِ أَوْ تَعَسَّرَ كَحَجَرِ الرَّحَى فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ بِنَفْسِهِ وَيَنْقُلُ ثَمَنَهُ إلَى الْحَرَمِ مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةِ حَاكِمٍ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِهِ، وَهَلْ لَهُ إمْسَاكُهُ بِقِيمَتِهِ أَوْ لَا فَقَدْ يَرْغَبُ فِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْهَا؟ .

وَجْهَانِ: فِي الْكِفَايَةِ يَنْبَغِي الْأَوَّلَ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ رَاغِبٌ بِالزِّيَادَةِ، وَقَوْلُهُ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِكَوْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ مِمَّا يَتَصَدَّقُ بِهِ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ هِبَتُهُ وَلَا هَدِيَّتُهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا لَوْ نَذَرَ إهْدَاءَ دُهْنٍ نَجِسٍ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ: مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ بِصِحَّةِ التَّصَدُّقَ بِهِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ، وَيَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا جِلْدَ الْمَيِّتَةِ قَبْلَ الدَّبَّاغِ، لَكِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الْأَرْجَحُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُهْدَى لِآدَمِيٍّ اهـ.

وَهَذَا أَظْهَرُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ التَّصَدُّقِ بِهِ مَا لَوْ عَسُرَ التَّصَدُّقُ بِهِ حَيْثُ وَجَبَ التَّعْمِيمُ بِهِ كَاللُّؤْلُؤِ وَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُفَرَّقُ ثَمَنَهُ عَلَيْهِمْ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ فِي الْحَرَمِ وَمَحَلُّ النَّذْرِ سَوَاءٌ تَخَيَّرَ بَيْنَ حَمْلِهِ وَبَيْعِهِ بِالْحَرَمِ وَبَيْنَ حَمْلِ ثَمَنِهِ، أَوْ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>