قُلْتُ: الْأَصَحُّ بِيَمِينٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ اُدُّعِيَ عَلَى قَاضٍ جَوْرٌ فِي حُكْمٍ لَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ، وَيُشْتَرَطُ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِحُكْمِهِ حَكَمَ بَيْنَهُمَا خَلِيفَتُهُ أَوْ غَيْرُهُ.
ــ
[مغني المحتاج]
بِالْمُنَازَعَاتِ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ بِيَمِينٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَلِأَنَّ أَقْصَى دَرَجَاتِ الْمَعْزُولِ أَنْ يَكُونَ مُؤْتَمَنًا، وَالْمُؤْتَمَنُ كَالْمُودِعِ يَحْلِفُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ اخْتَلَفَ تَصْحِيحُ الْمُصَنِّفِ، فَقَدْ صَحَّحَ الْأَوَّلَ فِي الرَّوْضَةِ، وَالصَّوَابُ مَا صَحَّحَهُ هُنَا فَإِنَّهُ الْمَنْصُوصُ، قَالَ الْفَارِقِيُّ: وَمَحِلُّ الْخِلَافِ، إذَا عَلِمَ الشَّاهِدَانِ وَإِلَّا فَيَنْظُرُ فِيهِمَا لِيَعْرِفَ حَالَهُمَا. قَالَ الْغَزِّيُّ: وَهُوَ مُتَّجِهٌ فِي الْعَبْدِ دُونَ الْفَسَقَةِ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ قَدْ يَطْرَأُ عَلَى الْعَبْدِ اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
(وَلَوْ) (اُدُّعِيَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (عَلَى قَاضٍ) حَالَ وِلَايَتِهِ (جَوْرٌ فِي حُكْمٍ) أَوْ اُدُّعِيَ عَلَى شَاهِدٍ زُورٌ، وَأُرِيدَ تَحْلِيفُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الدَّعَاوَى (لَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ، وَيُشْتَرَطُ بَيِّنَةٌ) بِهِ فَلَا يَحْلِفُ فِيهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا أَمِينَانِ شَرْعًا، وَلَوْ فُتِحَ بَابُ التَّحْلِيفِ لَاشْتَدَّ الْأَمْرُ وَرَغِبَ النَّاسُ عَنْ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا إذَا كَانَ مَوْثُوقًا بِهِ وَإِلَّا حَلَفَ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: قَوْلُهُمْ فِي تَوْجِيهِ مَنْعِ التَّحْلِيفِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ إلَخْ أَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى كَمَالِ الْقَاضِي وَوُجُودِ أَهْلِيَّتِهِ التَّامَّةِ، وَنَحْنُ نَقْطَعُ بِأَنَّ غَالِبَ مَنْ يَلِي الْقَضَاءَ فِي عَصْرِنَا، لَوْ حَلَفَ الْوَاحِدُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً عَلَى عَدَمِ جَوْرِهِ فِي الْحُكْمِ وَارْتِشَائِهِ لَمْ يَرُدَّهُ ذَلِكَ عَنْ الْحِرْصِ عَلَى الْقَضَاءِ وَدَوَامِ وِلَايَتِهِ مَعَ ذَلِكَ، بَلْ يَشْتَدُّ حِرْصُهُ وَتَهَافُتُهُ عَلَيْهِ وَطَلَبُهُ هُوَ وَغَيْرَهُ (فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ) اهـ.
هَذَا فِي زَمَانِهِ فَلَوْ أَدْرَكَ زَمَانَنَا. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَشْتَرِطُ الْبَيِّنَةَ مَعَ عَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى لِقَصْدِ تَحْلِيفِهِ وَإِنْ سُمِعَتْ لِأَجْلِ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ سُمِعَتْ لَا مَحَالَةَ (وَإِنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ) تِلْكَ الدَّعْوَى عَلَى قَاضٍ (بِحُكْمِهِ) بَلْ يُخَاصِمُهُ نَفْسَهُ (حَكَمَ بَيْنَهُمَا) فِيهَا (خَلِيفَتُهُ، أَوْ) قَاضٍ آخَرُ (غَيْرُهُ) كَآحَادِ الرَّعَايَا. قَالَ السُّبْكِيُّ: هَذَا إنْ كَانَتْ الدَّعْوَى بِمَا لَا يَقْدَحُ فِيهِ وَلَا يَخِلُّ بِمَنْصِبِهِ وَلَا يُوجِبُ عَزْلُهُ، وَإِلَّا فَاقْطَعْ بِأَنَّ الدَّعْوَى لَا تُسْمَعُ وَلَا يَحْلِفُ وَلَا طَرِيقَ لِلْمُدَّعِي حِينَئِذٍ إلَّا الْبَيِّنَةَ. ثُمَّ قَالَ: بَلْ أَقُولُ لِكُلِّ مَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ وَادَّعَى عَلَيْهِ بِدَعْوَى يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِيهَا وَفِي إنْكَارِ ذَلِكَ الْعَدْلِ بِهَا، فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَنْ سَهْوٍ وَغَفْلَةٍ أَوْ اجْتِهَادٍ وَتَأْوِيلٍ وَنَحْوِهِ بِحَيْثُ لَا يَخِلُّ بِعَدَالَتِهِ فَيَسْمَعُهَا وَيَقْبَلُهَا بِيَمِينٍ كَغَيْرِهَا إلَّا أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مِنْ الْمُدَّعِي تَعَنُّتٌ فَيَدْفَعُهُ، وَإِنْ كَانَ إنْكَارُهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إلَّا قَادِحًا فِيهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْمَعَ دَعْوَى الْمُدَّعِي فِي ذَلِكَ وَطَلَبَ تَحْلِيفِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا يَدَّعِيه وَالْحَالَةَ هَذِهِ مُخَالِفٌ لِمَا ثَبَتَ مِنْ عَدَالَتِهِ، وَلَهُ طَرِيقٌ وَهُوَ الْبَيِّنَةُ.
تَتِمَّةٌ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى مُتَوَلٍّ فِي مَحِلِّ وِلَايَتِهِ عِنْدَ قَاضٍ أَنَّهُ حَكَمَ بِكَذَا، فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَحِلِّهَا أَوْ مَعْزُولًا سُمِعَتْ وَلَا يَحْلِفُ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، فَمَا تَقَرَّرَ فِي الْمَعْزُولِ مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّحَهُ هُنَا كَمَا مَرَّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute