وَلَوْ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى مَعْزُولٍ أَنَّهُ أَخَذَ مَالَهُ بِرِشْوَةٍ أَوْ شَهَادَةِ عَبْدَيْنِ مَثَلًا أُحْضِرَ وَفُصِلَتْ خُصُومَتُهُمَا.
وَإِنْ قَالَ حَكَمَ بِعَبْدَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَالًا أُحْضِرَ. وَقِيلَ: لَا حَتَّى يُقِيمَ بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ، فَإِنْ أُحْضِرَ وَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ فِي الْأَصَحِّ.
ــ
[مغني المحتاج]
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُحِيطُ بِهَا السُّوَرُ وَالْبِنَاءُ الْمُتَّصِلُ دُونَ الْبَسَاتِينِ وَالْمَزَارِعِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ زَوَّجَ الْقَاضِي امْرَأَةً فِي الْبَلَدِ وَهُوَ بِالْمَزَارِعِ أَوْ الْبَسَاتِينِ أَوْ عَكْسِهِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَحِلِّ وِلَايَتِهِ. قَالَ: وَكَثِيرٌ مِنْ الْحُكَّامِ يَتَسَاهَلُ فِي ذَلِكَ. وَالْأَحْوَطُ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْ غَيْرَ الْبَلَدِ اهـ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَلَوْ قَالَ الْمَعْزُولُ لِلْأَمِينِ: أَعْطَيْتُك الْمَالَ أَيَّامَ قَضَائِي لِتَحْفَظَهُ لِفُلَانٍ، فَقَالَ الْأَمِينُ بَلْ لِفُلَانٍ صُدِّقَ الْمَعْزُولُ، وَهَلْ يَغْرَمُ الْأَمِينُ لِمَنْ عَيَّنَهُ هُوَ قَدْرُ ذَلِكَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمَنْعُ، فَإِنْ قَالَ لَهُ الْأَمِينُ: لَمْ تُعْطِنِي شَيْئًا بَلْ هُوَ لِفُلَانٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِعْطَاءِ.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ أَذِنَ الْإِمَامُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ أَهْلِ وِلَايَتِهِ حَيْثُمَا كَانَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ، وَلَوْ كَانَ فِي غَيْرِ مَحِلِّ وِلَايَتِهِ. قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ: هَذَا الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ، وَقَالَهُ فِي الذَّخَائِرِ أَيْضًا، وَحِينَئِذٍ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ أَنَّهُ حَكَمَ عَلَيْهِ بِكَذَا.
(وَلَوْ) (ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى مَعْزُولٍ أَنَّهُ أَخَذَ مَالَهُ بِرِشْوَةٍ) أَيْ عَلَى سَبِيلِ الرِّشْوَةِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَهِيَ بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ دَفَعَ لِمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِالْحَقِّ أَوْ يَمْتَنِعْ عَنْ الْحُكْمِ بِهِ (أَوْ شَهَادَةِ عَبْدَيْنِ مَثَلًا) أَيْ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَأَعْطَاهُ لِفُلَانٍ، وَمُعْتَقَدُهُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا (أُحْضِرَ وَفُصِلَتْ خُصُومَتُهُمَا) كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ غَصْبًا لِتَعَذُّرِ إثْبَاتِ ذَلِكَ بِغَيْرِ حُضُورِهِ، وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَلَا يَحْضُرَ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ، وَإِذَا حَضَرَ فَإِنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ أَقَرَّ حُكِمَ عَلَيْهِ وَإِلَّا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ كَسَائِرِ الْأُمَنَاءِ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِمَا جِنَايَةً وَلِعُمُومِ خَبَرِ «الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَقِيلَ: بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ أَمِينُ الشَّرْعِ فَيُصَانُ مَنْصِبُهُ عَنْ التَّحْلِيفِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا فِيمَنْ عُزِلَ مَعَ بَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ. أَمَّا مَنْ ظَهَرَ فِسْقُهُ وَشَاعَ جَوْرُهُ وَخِيَانَتُهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْلِفُ قَطْعًا.
تَنْبِيهٌ لَوْ حَضَرَ إنْسَانٌ إلَى الْقَاضِي الْجَدِيدِ، وَتَظَلَّمَ مِنْ الْمَعْزُولِ وَطَلَبَ إحْضَارَهُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَمْ يُبَادِرْ بِإِحْضَارِهِ بَلْ يَقُولُ مَا تُرِيدُ مِنْهُ؟ . فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا أَحْضَرَهُ، وَلَا يَجُوزُ إحْضَارُهُ قَبْلَ تَحَقُّقِ الدَّعْوَى، إذْ قَدْ لَا يَكُونُ لَهُ حَقٌّ، وَإِنَّمَا قَصَدَ ابْتِذَالَهُ بِالْحُضُورِ.
(وَإِنْ) (قَالَ) الشَّخْصُ (حَكَمَ) عَلَيَّ الْقَاضِي (بِعَبْدَيْنِ) أَوْ نَحْوِهِمَا مِمَّا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَفَاسِقَيْنِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: أَيْ وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَنَا أُطَالِبُهُ بِالْغُرْمِ (وَلَمْ يَذْكُرْ) رِشْوَةً وَلَا (مَالًا أُحْضِرَ) الْمَعْزُولُ لِيُجِيبَ عَنْ دَعْوَاهُ (وَقِيلَ: لَا حَتَّى يُقِيمَ بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ) لِأَنَّهُ كَانَ أَمِينَ الشَّرْعِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ أَحْكَامِ الْقُضَاةِ جَرَيَانُهَا عَلَى الصِّحَّةِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْ الظَّاهِرِ إلَّا بَيِّنَةً (فَإِنْ أُحْضِرَ) عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَادَّعَى عَلَيْهِ (وَأَنْكَرَ) بِأَنْ قَالَ: لَمْ أَحْكُمْ عَلَيْهِ أَصْلًا، أَوْ لَمْ أَحْكُمْ إلَّا بِشَهَادَةِ حُرَّيْنِ (صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ أَمِينُ الشَّرْعِ فَيُصَانُ مَنْصِبُهُ عَنْ الْحَلِفِ وَالِابْتِذَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute