للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِأَنْ يَكْتُبَ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الشَّاهِدُ وَالْمَشْهُودُ لَهُ وَعَلَيْهِ وَكَذَا قَدْرُ الدَّيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَيَبْعَثَ بِهِ مُزَكِّيًا ثُمَّ يُشَافِهُهُ الْمُزَكِّيَ بِمَا عِنْدَهُ، وَقِيلَ تَكْفِي كِتَابَتُهُ.

ــ

[مغني المحتاج]

تَنْبِيهٌ لَوْ جَهِلَ إسْلَامَ الشُّهُودِ رَجَعَ فِيهِ إلَى قَوْلِهِمْ، بِخِلَافِ جَهْلِهِ بِحُرِّيَّتِهِمْ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ مَعْرُوفَانِ بِالْعَدَالَةِ وَاعْتَرَفَ الْخَصْمُ بِمَا شَهِدَا بِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، فَالْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ لَا بِالشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بَعْدَ الْحُكْمِ فَإِنَّ الْحُكْمَ قَدْ مَضَى مُسْتَنِدًا إلَى الشَّهَادَةِ، هَذَا مَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْهَرَوِيِّ وَأَقَرَّهُ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الزِّنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ اعْتِبَارُ الْأَسْبَقِ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ، وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ، وَقَوْلُ ابْنِ شُهْبَةَ: وَالصَّحِيحُ اسْتِنَادُهُ إلَى الْمَجْمُوعِ مَمْنُوعٌ.

ثُمَّ بَيَّنَ صُورَةَ الِاسْتِزْكَاءِ بِقَوْلِهِ (بِأَنْ) أَيْ كَأَنْ (يَكْتُبَ) الْقَاضِي (مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الشَّاهِدُ وَالْمَشْهُودُ لَهُ، وَ) الْمَشْهُودُ (عَلَيْهِ) مِنْ اسْمٍ وَكُنْيَةٍ إنْ اُشْتُهِرَ بِهَا، وَوَلَاءٍ إنْ كَانَ عَلَيْهِ وَلَاءٌ، وَاسْمُ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَحِلْيَتِهِ وَحِرْفَتِهِ وَسُوقِهِ وَمَسْجِدِهِ لِئَلَّا يُشْتَبَهُ بِغَيْرِهِ، وَقَدْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الشَّاهِدِ مَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ كَبِغْضَةٍ أَوْ عَدَاوَةٍ، فَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ مَشْهُورًا وَحَصَلَ التَّمْيِيزُ بِبَعْضِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ اُكْتُفِيَ بِهِ (وَكَذَا قَدْرُ) الْمَشْهُودِ بِهِ مِنْ (الدَّيْنِ) وَغَيْرِهِ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُ الشَّاهِدِ فِي الْقَلِيلِ دُونَ الْكَثِيرِ، وَالثَّانِي: لَا يَكْتُبُهُ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْمَالِ وَكَثْرَتِهِ، وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ مُعْظَمِ الْأَئِمَّةِ، وَقَالَ عَنْ الْأَوَّلِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ، فَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْأَصَحِّ لَا بِالصَّحِيحِ، وَأَنْ يَقُولَ: وَكَذَا مَا شَهِدُوا بِهِ لِيُعْلَمَ الدَّيْنُ وَالْعَيْنُ وَالنِّكَاحُ وَالْقَتْلُ وَغَيْرُهَا، وَلِيُسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ (وَ) أَنْ (يَبْعَثَ بِهِ) أَيْ بِمَا كَتَبَهُ (مُزَكِّيًا) هُوَ نَصْبٌ بِإِسْقَاطِ الْخَافِضِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، فَقَالَ إلَى مُزَكٍّ، وَفِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْقَاضِي مُزَكُّونَ وَأَصْحَابُ مَسَائِلَ، فَالْمُزَكُّونَ الرُّجُوعُ إلَيْهِمْ لِيُبَيِّنُوا حَالَ الشُّهُودِ، وَأَصْحَابُ الْمَسَائِلِ هُمْ الَّذِينَ يَبْعَثُهُمْ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّينَ لِيَبْحَثُوا وَيَسْأَلُوا، وَرُبَّمَا فَسَّرَ أَصْحَابُ الْمَسَائِلِ فِي لَفْظِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْمُزَكِّينَ اهـ.

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيَكْتُبُ لِكُلِّ مُزَكٍّ كِتَابًا وَيَدْفَعُهُ إلَى صَاحِبِ مَسْأَلَةٍ وَيُخْفِي كُلَّ كِتَابٍ عَنْ غَيْرِ مَنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَغَيْرِ مَنْ يَبْعَثُهُ احْتِيَاطًا لِئَلَّا يَسْعَى الْمَشْهُودُ لَهُ فِي التَّزْكِيَةِ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فِي الْجَرْحِ (ثُمَّ) إنْ عَادَ إلَيْهِ الرُّسُلُ بِجُرْحٍ مِنْ الْمُزَكِّينَ تَوَقَّفَ عَنْ الْحُكْمِ وَكَتَمَ الْجُرْحَ، وَقَالَ لِلْمُدَّعِي: زِدْنِي فِي الشُّهُودِ أَوْ عَادُوا إلَيْهِ بِتَعْدِيلٍ لَمْ يَحْكُمْ بِقَوْلِهِمْ بَلْ (يُشَافِهُهُ) أَيْ الْقَاضِي (الْمُزَكِّيَ) الْمَبْعُوثَ إلَيْهِ (بِمَا عِنْدَهُ) مِنْ حَالِ الشُّهُودِ مِنْ جُرْحٍ أَوْ تَعْدِيلٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَقَعُ بِشَهَادَتِهِ وَيُشِيرُ إلَى الْمُزَكِّي لِيَأْمَنَ بِذَلِكَ الْغَلَطَ مِنْ شَخْصٍ إلَى آخَرَ، وَلَا يَقْتَصِرُ الْمُزَكِّي عَلَى الْكِتَابَةِ لِلْقَاضِي مَعَ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ فِي الْأَصَحِّ (وَقِيلَ: تَكْفِي كِتَابَتُهُ) لَهُ مَعَهُمْ مِنْ غَيْرِ مُشَافَهَةٍ، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَأَصْحَابُهُ وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ الْآنَ مِنْ أَكْفَائِهِمْ بِرُؤْيَةِ سِجِلِّ الْعَدَالَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُزَكِّي وَاحِدًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُهُ بَلْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرُ.

تَنْبِيهٌ مَنْ نَصَبَ أَرْبَابَ الْمَسَائِلِ حَاكِمًا فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ كَفَى أَنْ يُنْهِيَ إلَى الْقَاضِي

<<  <  ج: ص:  >  >>