للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَادَّعَى الْمُدَّعِي جُحُودَهُ، فَإِنْ قَالَ هُوَ مُقِرٌّ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُسْمَعُ.

وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَاضِي نَصْبُ مُسَخَّرٍ يُنْكِرُ عَلَى الْغَائِبِ.

ــ

[مغني المحتاج]

يَسْتَنِدَ قَضَاؤُهُ إلَى الْحُجَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْحُجَّةِ بَدَلَ الْبَيِّنَةِ لِيَشْمَلَ عِلْمُ الْقَاضِي الْوَاقِعَةَ إذَا سَوَّغْنَا الْحُكْمَ؛ لَكَانَ أَوْلَى.

وَقَوْلُهُ: (وَادَّعَى الْمُدَّعِي) عَلَى الْغَائِبِ (جُحُودَهُ) أَيْ الْحَقِّ الْمُدَّعَى بِهِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى وَسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْغَائِبِ، وَلَا يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ بِالْجُحُودِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ. ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَدَّعِي جُحُودَهُ فِي الْحَالِ فَهُوَ مُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ وَإِنْ كَانَ يَدَّعِي جُحُودَهُ لِمَا كَانَ حَاضِرًا فَالْقَضَاءُ فِي الْحَالِ لَا يَرْتَبِطُ بِجُحُودِ مَاضٍ اهـ.

وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُ الْجُحُودِ.

تَنْبِيهٌ: يَقُومُ مَقَامَ الْجُحُودِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَيْنًا وَخَرَجَتْ مُسْتَحِقَّةً فَادَّعَى الثَّمَنَ عَلَى الْبَائِعِ الْغَائِبِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا تُسْمَعُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْجُحُودَ، وَإِقْدَامُهُ عَلَى الْبَيْعِ كَافٍ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى جُحُودِهِ، قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ (فَإِنْ قَالَ هُوَ) أَيْ الْغَائِبُ (مُقِرٌّ) وَأَنَا أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ اسْتِظْهَارًا مَخَافَةَ أَنْ يُنْكِرَ لَغَتْ دَعْوَاهُ وَ (لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ) لِتَصْرِيحِهِ بِالْمُنَافِي لِسَمَاعِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُقَامُ عَلَى مُقِرٍّ.

تَنْبِيهٌ هَذَا إنْ أَرَادَ بِإِقَامَتِهَا أَنْ يَكْتُبَ الْقَاضِي بِذَلِكَ لِحَاكِمِ بَلَدِ الْغَائِبِ، فَلَوْ كَانَ لِلْغَائِبِ مَالٌ حَاضِرٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى دَيْنِهِ لِيُوَفِّيَهُ الْقَاضِي حَقَّهُ سُمِعَتْ، وَإِنْ قَالَ: هُوَ مُقِرٌّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ، وَزَادَ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ صُوَرًا أُخَرَ. أَحَدُهَا: لَوْ قَالَ: هُوَ مُقِرٌّ وَلَكِنَّهُ مُمْتَنِعٌ سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ وَحُكِمَ بِهَا. ثَانِيهَا: إذَا كَانَتْ بَيِّنَتُهُ شَاهِدَةً بِالْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَقُولُ عِنْدَ مُطَابَقَةِ دَعْوَاهُ بَيِّنَتَهُ: أَقَرَّ فُلَانٌ بِكَذَا وَلِي بِهِ بَيِّنَةٌ. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَقُلْ هُوَ مُقِرٌّ الْآنَ بِخِلَافِ صُورَةِ الْقَفَّالِ؟ قُلْنَا: قَوْلُهُ: أَقَرَّ يَقْتَضِي دَوَامَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ إقْرَارٍ لَكِنَّهُ ضِمْنِيٌّ وَيُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِيِّ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِاسْتِقْلَالِ. ثَالِثُهَا: لَوْ كَانَ الْغَائِبُ لَا يَقْبَلُ إقْرَارُهُ لِسَفَهٍ وَنَحْوِهِ فَلَا يَمْنَعُ قَوْلُهُ هُوَ مُقِرٌّ مِنْ سَمَاعِ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي، وَكَذَا الْمُفْلِسُ يُقِرُّ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ بَعْدَ الْحَجْرِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ فَلَا يَضُرُّ قَوْلُ الْمُدَّعِي فِي غَيْبَتِهِ أَنَّهُ مُقِرٌّ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُؤَثِّرُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ بَلْ لِعَمْرٍو فَادَّعَاهَا عَمْرٌو فِي غَيْبَتِهِ لِيُقِيمَ بَيِّنَتَهُ لَا يَضُرُّهُ قَوْلُهُ وَهُوَ مُقِرٌّ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي الْعَقْدِ الَّذِي وَقَعَتْ بِهِ الدَّعْوَى. قَالَ: وَيُتَصَوَّرُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ (وَإِنْ أَطْلَقَ) الْمُدَّعِي بِأَنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِجُحُودِ الْغَائِبِ وَلَا لِإِقْرَارِهِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا) أَيْ بَيِّنَتُهُ (تُسْمَعُ) لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْلَمُ جُحُودَهُ فِي غَيْبَتِهِ وَيَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ، فَيَجْعَلُ غَيْبَتَهُ كَسُكُوتِهِ. وَالثَّانِي: لَا تُسْمَعُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا عِنْدَ الْجُحُودِ.

(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَاضِي) (نَصْبُ مُسَخَّرٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ (يُنْكِرُ عَلَى الْغَائِبِ) عِنْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُقِرًّا فَيَكُونُ إنْكَارُ الْمُسَخَّرِ كَذِبًا. قَالَ: وَمُقْتَضَى هَذَا التَّوَجُّهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَصْبُهُ لَكِنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْعَبَّادِيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّ الْقَاضِيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ النَّصْبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>