وَالْإِنْهَاءُ أَنْ يُشْهِدَ عَدْلَيْنِ بِذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ كِتَابٌ بِهِ يَذْكُرُ فِيهِ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ، وَيَخْتِمُهُ،
ــ
[مغني المحتاج]
إلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ بَلَغَهُ عَمِلَ بِهِ، وَلَوْ كَتَبَ لِمُعَيَّنٍ فَشَهِدَ الشَّاهِدَانِ عِنْدَ غَيْرِهِ قَبِلَ شَهَادَتَهُمَا وَأَمْضَاهُ اعْتِمَادًا عَلَى الشَّهَادَةِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: سَمَاعُ بَيِّنَةٍ لِيَحْكُمَ بِهَا يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ وَلَمْ يُعَدِّلْهَا وَفَوَّضَ تَعْدِيلَهَا إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَيُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْحَقُّ عِنْدَهُ بِعِلْمِهِ وَكَتَبَ لِيَقْضِيَ لَهُ بِمُوجِبِ عِلْمِهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْعُدَّةِ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ وَإِنْ جَوَّزْنَا الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ هُوَ كَالشَّاهِدِ، وَالشَّهَادَةُ لَا تَتَأَدَّى بِالْكِتَابَةِ، وَفِي أَمَالِي السَّرَخْسِيِّ جَوَازُهُ، وَيَقْضِي بِهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إذَا جَوَّزْنَا الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ إخْبَارَهُ عَنْ عِلْمِهِ إخْبَارٌ عَنْ قِيَامِ الْحُجَّةِ فَلْيَكُنْ كَإِخْبَارِهِ عَنْ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَبِمَا قَالَهُ فِي الْعُدَّةِ جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَصَحُّ الْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ اهـ.
وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ. وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُنَا مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْمُقْرِي عَكْسَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِهِ، وَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ.
(وَالْإِنْهَاءُ: أَنْ يُشْهِدَ عَدْلَيْنِ بِذَلِكَ) أَيْ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ خَاصَّةً، أَوْ بِالْحُكْمِ بِاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ يُؤَدِّيَانِهِ عِنْدَ الْقَاضِي الْآخَرَ، وَلَوْ لَمْ يُشْهِدْهُمَا وَلَكِنْ أَنْشَأَ الْحُكْمَ بِحُضُورِهِمَا فَلَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُمَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (وَيُسْتَحَبُّ) مَعَ الْإِشْهَادِ (كِتَابٌ بِهِ) وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَفَائِدَةُ الْكِتَابِ لِيَذْكُرَ الشَّاهِدُ الْحَالَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْسَاهُ (يَذْكُرُ فِيهِ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ) وَالْمَحْكُومُ لَهُ مِنْ اسْمِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَكُنْيَتِهِ وَقَبِيلَتِهِ وَحِلْيَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِيَسْهُلَ التَّمْيِيزُ، وَيَذْكُرُ أَسْمَاءَ شُهُودِ الْكِتَابِ وَتَارِيخِهِ.
تَنْبِيهٌ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْغَائِبُ بَدَلَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لِيَتَنَاوَلَ الثُّبُوتَ الْمُجَرَّدَ عَنْ الْحُكْمِ (وَيَخْتِمُهُ) أَيْ الْكِتَابَ نَدْبًا حِفْظًا لِلْكِتَابَةِ وَإِكْرَامًا لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، وَخَتْمُ الْكِتَابِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ بَطَّالٍ شَارِحُ الْبُخَارِيِّ رَوَى الْبُخَارِيُّ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُرْسِلُ كُتُبَهُ غَيْرَ مَخْتُومَةٍ، فَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ قَبُولِهَا إلَّا مَخْتُومَةً، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا وَنَقَشَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» ، وَإِنَّمَا كَانُوا لَا يَقْرَءُونَ كِتَابًا غَيْرَ مَخْتُومٍ خَوْفًا عَلَى كَشْفِ أَسْرَارِهِمْ وَإِضَاعَةِ تَدْبِيرِهِمْ، وَيَكُونُ الْخَتْمُ بَعْدَ قِرَاءَتِهِ عَلَى الشَّاهِدِ بِحَضْرَتِهِ، وَيَقُولُ: أُشْهِدُكُمَا أَنِّي كَتَبْتُ إلَى فُلَانٍ بِمَا سَمِعْتُمَا، وَيَضَعَانِ خَطَّهُمَا فِيهِ، وَلَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ: أُشْهِدُكُمَا أَنَّ هَذَا خَطِّي وَأَنَّ مَا فِيهِ حُكْمِي مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ، وَيَدْفَعُ لِلشَّاهِدَيْنِ نُسْخَةً أُخْرَى بِلَا خَتْمٍ لِيُطَالِعَاهَا، وَيَتَذَاكَرَا عِنْدَ الْحَاجَةِ. وَمِنْ صِفَةِ الْكِتَابِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حَضَرَ - عَافَانَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ - فُلَانٌ، وَادَّعَى عَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ الْمُقِيمِ بِبَلَدِكَ بِالشَّيْءِ الْفُلَانِيِّ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ شَاهِدَيْنِ هُمَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَقَدْ عُدِّلَا عِنْدِي وَحَلَّفْتُ الْمُدَّعِي وَحَكَمْتُ لَهُ بِالْمَالِ فَسَأَلَنِي أَنْ أُكْتَبَ إلَيْكَ فِي ذَلِكَ فَأَجَبْتُهُ وَأَشْهَدْتُ بِالْكِتَابِ فُلَانًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute