أَوْ غَائِبٍ فِي غَيْرِ وِلَايَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ إحْضَارُهُ، أَوْ فِيهَا وَلَهُ هُنَاكَ نَائِبٌ لَمْ يُحْضِرْهُ بَلْ يَسْمَعُ بَيِّنَةً وَيَكْتُبُ إلَيْهِ، أَوْ لَا نَائِبَ فَالْأَصَحُّ يُحْضِرُهُ مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَقَطْ، وَهِيَ الَّتِي يَرْجِعُ مِنْهَا مُبَكِّرٌ لَيْلًا.
ــ
[مغني المحتاج]
صَرَّحَ بِذَلِكَ الْبَغَوِيّ.
(أَوْ) كَانَ الِاسْتِعْدَاءُ عَلَى (غَائِبٍ فِي غَيْرِ) مَحَلِّ (وِلَايَتِهِ) أَيْ الْقَاضِي (فَلَيْسَ لَهُ إحْضَارُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ اسْتَحْضَرَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إجَابَتُهُ، بَلْ يَسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ أَنْهَى السَّمَاعَ، وَإِنْ شَاءَ حَكَمَ بَعْدَ تَحْلِيفِ الْمُدَّعِي عَلَى مَا سَبَقَ وَإِنْ كَانَ فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ كَمَا مَرَّ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ (أَوْ) عَلَى غَائِبٍ (فِيهَا) أَيْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ (وَلَهُ هُنَاكَ نَائِبٌ لَمْ يُحْضِرْهُ) الْقَاضِي لِمَا فِي إحْضَارِهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ مَعَ وُجُودِ الْحَاكِمِ هُنَاكَ (بَلْ يَسْمَعُ بَيِّنَةً) عَلَيْهِ بِذَلِكَ (وَيَكْتُبُ) بِسَمَاعِهَا (إلَيْهِ) أَيْ نَائِبِهِ لِيَحْكُمَ بِهَا لِإِمْكَانِ الْفَصْلِ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَلَا يُكَلَّفُ الْحُضُورَ.
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ أَوْ بَعِيدَةٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى لِمَا مَرَّ أَنَّ الْكِتَابَ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ لَا يُقْبَلُ فِي مَسَافَةِ الْعَدْوَى (أَوْ لَا نَائِبَ) لَهُ هُنَاكَ (فَالْأَصَحُّ يُحْضِرُهُ مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَقَطْ) لَكِنْ بَعْدَ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى وَصِحَّةِ سَمَاعِهَا (وَهِيَ الَّتِي يَرْجِعُ مِنْهَا مُبَكِّرٌ) إلَى مَوْضِعِهِ (لَيْلًا) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يُعَدِّي لِمَنْ طَلَبَ خَصْمًا مِنْهَا لِإِحْضَارِ خَصْمِهِ - أَيْ يُقَوِّيهِ أَوْ يُعِينُهُ. وَالثَّانِي: إنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَحْضَرَهُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ حُكْمُ الْحَاضِرِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ. وَالثَّالِثُ يُحْضِرُهُ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ، وَهَذَا مَا اقْتَضَى كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا تَرْجِيحَهُ وَعَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَدْعَى الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ فِي قَضِيَّةٍ مِنْ الْبَصْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلِئَلَّا يُتَّخَذَ السَّفَرُ طَرِيقًا لِإِبْطَالِ الْحُقُوقِ، وَمَعَ هَذَا فَالْأَوْجَهُ مَا فِي الْمَتْنِ، وَلَيْسَ فِي قَضِيَّةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ أَحْضَرَهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ فِي إحْضَارِهِ. وَيَبْعَثُ الْقَاضِي إلَى بَلَدِ الْمَطْلُوبِ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ إحْضَارِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نَائِبٌ وَمَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَتَوَسَّطُ وَيُصْلِحُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ لَمْ يُحْضِرْهُ بَلْ يَكْتُبُ إلَيْهِ أَنْ يَتَوَسَّطَ وَيُصْلِحَ بَيْنَهُمَا، وَاشْتَرَطَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَابْنُ يُونُسَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْقَضَاءِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ الشَّيْخَانِ، وَقَالَ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ الْحُسْبَانِيُّ: يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَتْ الْقَضِيَّةُ مِمَّا تَنْفَصِلُ بِصُلْحٍ فَيَكْفِي وُجُودُ مُتَوَسِّطٍ مُطَاعٍ يُصْلِحُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَنْفَصِلُ بِصُلْحٍ فَلَا بُدَّ مِنْ صَالِحٍ لِلْقَضَاءِ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ لِيُفَوِّضَ إلَيْهِ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا بِصُلْحٍ أَوْ غَيْرِهِ اهـ.
وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: لَيْلًا يَتَنَاوَلُ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَوَسَطِهِ وَآخِرِهِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الضَّابِطُ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ اللَّيْلِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَكَذَا هُوَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي النِّكَاحِ فِي سَوَالِبِ الْوِلَايَةِ اهـ. ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ فِي الْمَعْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ: لَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute