لَا الرَّقْصُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَكَسُّرٌ كَفِعْلِ الْمُخَنِّثِ.
وَيُبَاحُ قَوْلُ شَعْرٍ وَإِنْشَادُهُ إلَّا أَنْ يَهْجُوَ
ــ
[مغني المحتاج]
طُبُولِ اللَّهْوِ الْعِمْرَانِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: تَفْسِيرُ الْكُوبَةِ بِالطَّبْلِ خِلَافُ الْمَشْهُورِ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: غَلِطَ مَنْ قَالَ: إنَّهَا الطَّبْلُ، بَلْ هِيَ النَّرْدُ اهـ.
لَكِنْ فِي الْمُحْكَمِ الْكُوبَةُ: الطَّبْلُ وَالنَّرْدُ، فَجَعَلَهَا مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا فَلَا يَحْسُنُ التَّغْلِيطُ.
(لَا الرَّقْصُ) فَلَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ حَرَكَاتٍ عَلَى اسْتِقَامَةٍ أَوْ اعْوِجَاجٍ، وَلَا يُكْرَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ، بَلْ يُبَاحُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - يَسْتُرُهَا حَتَّى تَنْظُرَ إلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ وَيَرْفِسُونَ» وَالرَّفْسُ: الرَّقْصُ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ إذْ ذَاكَ صَغِيرَةً، أَوْ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ آيَةُ الْحِجَابِ، أَوْ أَنَّهَا كَانَتْ تَنْظُرُ إلَى لَعِبِهِمْ، لَا إلَى أَبْدَانِهِمْ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْقَفَّالُ وَفِي الْإِحْيَاءِ: التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَرْبَابِ الْأَحْوَالِ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِوَجْدٍ فَيَجُوزُ - أَيْ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِمْ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَا حَاجَةَ لِاسْتِثْنَاءِ أَصْحَابِ الْأَحْوَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاخْتِيَارٍ فَلَا يُوصَفُ بِإِبَاحَةٍ وَلَا غَيْرِهَا اهـ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانُوا مَوْصُوفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَإِلَّا فَنَجِدُ أَكْثَرَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَيْسَ مَوْصُوفًا بِهَذَا، وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الرَّقْصُ لَا يَتَعَاطَاهُ إلَّا نَاقِصُ الْعَقْلِ، وَلَا يَصْلُحُ إلَّا لِلنِّسَاءِ. ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ مِنْ إبَاحَتِهِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنْ) (يَكُونَ فِيهِ تَكَسُّرٌ كَفِعْلِ الْمُخَنِّثِ) وَهُوَ بِكَسْرِ النُّونِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا، وَبِالْمُثَلَّثَةِ: مَنْ يَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِ النِّسَاءِ فِي حَرَكَةٍ أَوْ هَيْئَةٍ فَيَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْحَلِيمِيِّ وَأَقَرَّهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ خِلْقَةً فَلَا إثْمَ. وَمِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى: مَا يُفْعَلُ فِي وَفَاءِ النِّيلِ مِنْ رَجُلٍ يُزَيَّنُ بِزِينَةِ امْرَأَةٍ، وَيُسَمُّونَهُ عَرُوسَةُ الْبَحْرِ، فَهَذَا مَلْعُونٌ فَقَدْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، فَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ وَكُلُّ مَنْ كَانَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إزَالَةِ ذَلِكَ مَنْعُهُ مِنْهُ.
(وَيُبَاحُ) (قَوْلُ شَعْرٍ) أَيْ إنْشَاؤُهُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ (وَإِنْشَادُهُ) وَاسْتِمَاعُهُ؛ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ شُعَرَاءُ يُصْغِي إلَيْهِمْ: مِنْهُمْ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْدَرَ دَمَ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ، فَوَرَدَ إلَى الْمَدِينَةِ مُسْتَخْفِيًا، وَقَامَ إلَيْهِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مُمْتَدِحًا فَقَالَ: - بَانَتْ سُعَادُ: إلَى آخِرِهَا - فَرَضِيَ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ بُرْدَةً ابْتَاعَهَا مِنْهُ مُعَاوِيَةُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ» . قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَهِيَ الَّتِي مَعَ الْخُلَفَاءِ إلَى الْيَوْمِ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: سَمِعْت شِعْرَ الْهُذَلِيِّينَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الشِّعْرُ كَلَامٌ، حَسَنُهُ كَحَسَنِهِ، وَقَبِيحُهُ كَقَبِيحِهِ» ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ صُوَرًا لَا يُبَاحُ فِيهَا قَوْلُ الشِّعْرِ وَإِنْشَادُهُ فِي قَوْلِهِ (إلَّا أَنْ يَهْجُوَ) وَلَوْ بِمَا هُوَ صَادِقٌ فِيهِ لِلْإِيذَاءِ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ الشَّافِعِيُّ خَبَرَ مُسْلِمٍ «لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» .
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ تَحْرِيمِ الْهِجَاءِ إذَا كَانَ لِمُسْلِمٍ، فَإِنْ كَانَ لِكَافِرٍ: أَيْ غَيْرِ مَعْصُومٍ جَازَ كَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute