للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَوْ يُفْحِشَ، أَوْ يُعَرِّضَ بِامْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ.

وَالْمُرُوءَةُ تَخَلُّقٌ بِخُلُقِ أَمْثَالِهِ فِي زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ،

ــ

[مغني المحتاج]

صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ حَسَّانَ بِهَجْوِ الْكُفَّارِ» بَلْ صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ وَمِثْلُهُ فِي جَوَازِ الْهَجْوِ الْمُبْتَدِعُ كَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ، وَالْفَاسِقُ الْمُعْلِنُ كَمَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ، وَبَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ هَجْوِ الْكَافِرِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمِ الْمُعَيَّنِ، وَعَلَيْهِ فَيُفَارِقُ عَدَمُ جَوَازِ لَعْنِهِ، فَإِنَّ اللَّعْنَ الْإِبْعَادُ مِنْ الْخَيْرِ، وَلَاعِنُهُ لَا يَتَحَقَّقُ بُعْدُهُ مِنْهُ، فَقَدْ يُخْتَمُ لَهُ بِخَيْرٍ، بِخِلَافِ الْهَجْوِ (أَوْ) إلَّا أَنْ (يُفْحِشَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بِخَطِّهِ بِأَنْ يُجَاوِزَ الشَّاعِرُ الْحَدَّ فِي الْمَدْحِ وَالْإِطْرَاءِ وَلَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَيْءٍ إلَّا شَانَهُ، وَلَا كَانَ الْحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إلَّا زَانَهُ» وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِدِ: لَا تَكَادُ تَجِدُ مَدَّاحًا إلَّا رَذْلًا، وَلَا هَجَّاءً إلَّا بَذْلًا (أَوْ) إلَّا أَنْ (يُعَرِّضَ) وَفِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ يُشَبِّبَ (بِامْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ) غَيْرِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ، وَهُوَ ذِكْرُ صِفَاتِهَا مِنْ طُولٍ وَقِصَرٍ وَصُدْغٍ وَغَيْرِهَا فَيَحْرُمُ وَتُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيذَاءِ، وَاحْتَرَزَ بِالْمُعَيَّنَةِ عَنْ التَّشْبِيبِ بِمُبْهَمَةٍ فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ، كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، ثُمَّ اسْتَشْهَدَ بِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ وَإِنْشَادُهُ قَصِيدَتَهُ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ التَّشْبِيبَ صَنْعَتُهُ وَغَرَضُ الشَّاعِرِ تَحْسِينُ الْكَلَامِ لَا تَخْصِيصُ الْمَذْكُورِ. أَمَّا حَلِيلَتُهُ مِنْ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ فَلَا يَحْرُمُ التَّشْبِيبُ بِهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ، وَهُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ، وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَدَمَ رَدِّ الشَّهَادَةِ عَنْ الْجُمْهُورِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُكْثِرَ مِنْ ذَلِكَ وَإِلَّا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، قَالَهُ الْجُرْجَانِيِّ، وَلَوْ شَبَّبَ بِزَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ مِمَّا حَقُّهُ الْإِخْفَاءُ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِسُقُوطِ مُرُوءَتِهِ، وَكَذَا لَوْ وَصَفَ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ بِأَعْضَائِهَا الْبَاطِنَةِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِأَصْلِهِ وَإِنْ نُوزِعَ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا شَبَّبَ بِغُلَامٍ وَذَكَرَ أَنَّهُ يَعْشَقُهُ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: يَفْسُقُ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ، وَاعْتُبِرَ فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ التَّعْيِينُ كَالْمَرْأَةِ، وَهَذَا أَوْلَى، وَلَيْسَ ذِكْرُ امْرَأَةٍ مَجْهُولَةٍ كَلَيْلَى تَعْيِينًا.

(وَالْمُرُوءَةُ) لِلشَّخْصِ، وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِهَا أَنَّهَا (تَخَلُّقٌ) لِلْمَرْءِ (بِخُلُقِ أَمْثَالِهِ) مِنْ أَبْنَاءِ عَصْرِهِ مِمَّنْ يُرَاعِي مَنَاهِجَ الشَّرْعِ وَآدَابِهِ (فِي زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ الْعُرْفِيَّةَ قَلَّمَا تَنْضَبِطُ، بَلْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْبُلْدَانِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ، فَإِنَّ الْفِسْقَ يَسْتَوِي فِيهِ الشَّرِيفُ وَالْوَضِيعُ، بِخِلَافِ الْمُرُوءَةِ فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ، وَقِيلَ: الْمُرُوءَةُ التَّحَرُّزُ عَمَّا يُسْخَرُ مِنْهُ وَيُضْحَكُ بِهِ، وَقِيلَ: هِيَ أَنْ يَصُونَ نَفْسَهُ عَنْ الْأَدْنَاسِ، وَلَا يَشِينُهَا عِنْدَ النَّاسِ وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ، وَاعْتَرَضَ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ خُلُقُ أَمْثَالِهِ خُلُقُ الْحَيَاءِ كالقرندلية مَعَ فَقْدِ الْمُرُوءَةِ فِيهِمْ، وَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>