فَالْأَكْلُ فِي سُوقٍ، وَالْمَشْيُ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ، وَقُبْلَةُ زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ بِحَضْرَةِ النَّاسِ، وَإِكْثَارُ حِكَايَاتٍ مُضْحِكَةٍ، وَلُبْسُ فَقِيهٍ قُبَاءَ وَقَلَنْسُوَةٍ حَيْثُ لَا يُعْتَادُ، وَإِكْبَابٌ عَلَى لَعِبِ
ــ
[مغني المحتاج]
أَشَرْت إلَى رَدِّ هَذَا بِقَوْلِي: مِمَّنْ يُرَاعِي مَنَاهِجَ الشَّرْعِ وَآدَابِهِ (فَالْأَكْلُ) وَالشُّرْبُ (فِي سُوقٍ) لِغَيْرِ سُوقِيٍّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ وَغَيْرِهِ وَلِغَيْرِ مَنْ لَمْ يَغْلِبْهُ جُوعٌ أَوْ عَطَشٌ. وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ الْأَكْلِ فِي السُّوقِ مَنْ أَكَلَ دَاخِلَ حَانُوتٍ مُسْتَتِرًا، وَفِيهِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ نَظَرٌ (وَالْمَشْيُ) فِي السُّوقِ (مَكْشُوفَ الرَّأْسِ) أَوْ الْبَدَنِ غَيْرِ الْعَوْرَةِ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ بِهِ مِثْلُهُ وَلِغَيْرِ مُحْرِمٍ بِنُسُكٍ. أَمَّا الْعَوْرَةُ فَكَشْفُهَا حَرَامٌ (وَقُبْلَةُ زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ) لَهُ (بِحَضْرَةِ النَّاسِ) أَوْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى مَوْضِعِ الِاسْتِمْتَاعِ مِنْهَا مِنْ صَدْرٍ وَنَحْوِهِ، وَالْمُرَادُ جِنْسُهُمْ وَلَوْ وَاحِدًا فَلَوْ عَبَّرَ بِحَضْرَةِ أَجْنَبِيٍّ كَانَ أَوْلَى. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ الَّذِينَ يَسْتَحْيِي مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ، وَالتَّقْبِيلُ الَّذِي يُسْتَحْيَا مِنْ إظْهَارِهِ، فَلَوْ قَبَّلَ زَوْجَتَهُ بِحَضْرَةِ جَوَارِيهِ، أَوْ بِحَضْرَةِ زَوْجَاتٍ لَهُ غَيْرُهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ مِنْ تَرْكِ الْمُرُوءَةِ. وَأَمَّا تَقْبِيلُ الرَّأْسِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ، وَقَرَنَ فِي الرَّوْضَةِ بِالتَّقْبِيلِ أَنْ يَحْكِيَ مَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا فِي الْخَلْوَةِ مِمَّا يُسْتَحْيَا مِنْهُ، وَكَذَا صَرَّحَ فِي النِّكَاحِ بِكَرَاهَتِهِ، لَكِنْ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ حَرَامٌ. وَأَمَّا تَقْبِيلُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَمَتَهُ الَّتِي وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ فَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ كَأَنَّهُ تَقْبِيلُ اسْتِحْسَانٍ لَا تَمَتُّعٍ، أَوْ فَعَلَهُ بَيَانًا لِلْجَوَازِ، أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ مَنْ يَنْظُرُهُ، أَوْ عَلَى أَنَّ الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَضُرُّ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ، وَمَدُّ الرِّجْلِ عِنْدَ النَّاسِ بِلَا ضَرُورَةٍ كَقُبْلَةِ أَمَتِهِ بِحَضْرَتِهِمْ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ إذَا كَانَ بِحَضْرَةِ مَنْ يَحْتَشِمُهُ، فَلَوْ كَانَ بِحَضْرَةِ إخْوَانِهِ أَوْ نَحْوِهِمْ: كَتَلَامِذَتِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَرْكًا لِلْمُرُوءَةِ (وَإِكْثَارُ حِكَايَاتٍ مُضْحِكَةٍ) بَيْنَهُمْ بِحَيْثُ يَصِيرُ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ، وَخَرَجَ بِالْإِكْثَارِ مَا لَمْ يُكْثِرْ أَوْ كَانَ ذَلِكَ طَبْعًا لَا تَصَنُّعًا كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ، وَفِي الصَّحِيحِ «مَنْ تَكَلَّمَ بِالْكَلِمَةِ يُضْحِكُ بِهَا جُلَسَاءَهُ يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا»
تَنْبِيهٌ تَقْيِيدُهُ الْحِكَايَاتِ الْمُضْحِكَةَ بِالْإِكْثَارِ يَقْتَضِي أَنَّ مَا عَدَاهَا لَا يَتَقَيَّدُ بِالْإِكْثَارِ، بَلْ يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الَّذِي يُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ تَكَرُّرِهِ تَكَرُّرًا دَالًّا عَلَى قِلَّةِ الْمُبَالَاةِ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا كَانَ الْأَغْلَبُ عَلَى الرَّجُلِ: أَيْ الْأَظْهَرُ مِنْ أَمْرِهِ الطَّاعَةُ وَالْمُرُوءَةُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ: أَنَّ الْعَدْلَ مَنْ لَا يَكُونُ تَارِكًا لِلْمُرُوءَةِ فِي غَالِبِ الْعَادَةِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا تَلْخِيصُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ الْإِكْثَارِ فِي الْجَمِيعِ (وَلُبْسُ فَقِيهٍ قُبَاءَ) بِالْمَدِّ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ أَطْرَافِهِ، وَلُبْسُ جَمَّالٍ لُبْسَ الْقُضَاةِ (وَقَلَنْسُوَةٍ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ، وَبِضَمِّ الْقَافِ مَعَ السِّينِ: مَا يُلْبَسُ عَلَى الرَّأْسِ، هَذَا (حَيْثُ) أَيْ فِي بَلَدٍ (لَا يُعْتَادُ) لِلْفَقِيهِ لُبْسُهَا، وَقَيَّدَ فِي الرَّوْضَةِ لُبْسُهُمَا لِلْفَقِيهِ بِأَنْ يَتَرَدَّدَ فِيهِمَا، فَأَشْعَرَ بِأَنَّ لُبْسَهُمَا فِي الْبَيْتِ لَيْسَ كَذَلِكَ (وَإِكْبَابٌ عَلَى لَعِبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute