وَهُوَ مَنْ يُبْغِضُهُ بِحَيْثُ يَتَمَنَّى زَوَالَ نِعْمَتِهِ، وَيَحْزَنُ بِسُرُورِهِ وَيَفْرَحُ بِمُصِيبَتِهِ، وَتُقْبَلُ لَهُ، وَكَذَا عَلَيْهِ فِي عَدَاوَةِ دِينٍ كَكَافِرٍ وَمُبْتَدِعٍ.
وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ مُبْتَدِعٍ لَا نُكَفِّرُهُ.
ــ
[مغني المحتاج]
قِيلَ لِنَبِيِّ اللَّهِ أَيُّوبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُّ شَيْءٍ كَانَ أَشَدَّ عَلَيْك مِمَّا مَرَّ بِك. قَالَ شَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ مِنْهَا، فَنَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْعَافِيَةَ مِنْ ذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ الْعَدُوُّ (مَنْ يُبْغِضُهُ) أَيْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ (بِحَيْثُ يَتَمَنَّى زَوَالَ نِعْمَتِهِ) سَوَاءٌ أَطَلَبَهَا لِنَفْسِهِ أَمْ لِغَيْرِهِ أَمْ لَا (وَيَحْزَنُ بِسُرُورِهِ وَيَفْرَحُ بِمُصِيبَتِهِ) لِشَهَادَةِ الْعُرْفِ بِذَلِكَ، وَقَدْ تَكُونُ الْعَدَاوَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَقَدْ تَكُونُ مِنْ أَحَدِهِمَا فَيُخْتَصُّ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ عَلَى الْآخَرِ، وَلَوْ عَادَى مَنْ يُسْتَشْهَدُ عَلَيْهِ وَبَالَغَ فِي خِصَامِهِ وَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ شَهِدَ عَلَيْهِ لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى رَدِّهَا، وَلَوْ أَفْضَتْ الْعَدَاوَةُ إلَى الْفِسْقِ رُدَّتْ مُطْلَقًا.
تَنْبِيهٌ هَذَا الضَّابِطُ لَخَّصَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: ذِكْرُ الْبُغْضِ لَيْسَ فِي الْمُحَرَّرِ وَلَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَلَا مَعْنَى لِذِكْرِهِ هُنَا؛ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ غَيْرُ الْبَغْضَاءِ قَالَ تَعَالَى: {وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ} [الممتحنة: ٤] وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْبَغْضَاءَ بِالْقَلْبِ وَالْعَدَاوَةَ بِالْفِعْلِ وَهِيَ أَغْلَظُ، فَلَا يُفَسَّرُ الْأَغْلَظُ بِالْأَخَفِّ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْأَشْبَهُ فِي الضَّابِطِ تَحْكِيمُ الْعُرْفِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمَطْلَبِ، فَمَنْ عَدَّهُ أَهْلُ الْعُرْفِ عَدُوًّا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ، إذْ لَا ضَابِطَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي اللُّغَةِ. فَرْعٌ: حُبُّ الرَّجُلِ لِقَوْمِهِ لَيْسَ عَصَبِيَّةً حَتَّى تُرَدَّ شَهَادَتُهُ لَهُمْ بَلْ تُقْبَلُ مَعَ أَنَّ الْعَصَبِيَّةَ وَهِيَ أَنْ يُبْغِضَ الرَّجُلَ لِكَوْنِهِ مِنْ بَنِي فُلَانٍ لَا تَقْتَضِي الرَّدَّ بِمُجَرَّدِهَا، وَإِنْ أَجْمَعَ جَمَاعَةٌ عَلَى أَعْدَاءِ قَوْمِهِ وَوَقَعَ مَعَهَا فِيهِمْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِمْ (وَتُقْبَلُ لَهُ) أَيْ الْعَدُوِّ إذَا لَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ أَوْ فَرْعُهُ إذْ لَا تُهْمَةَ وَالْفَضْلُ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْأَعْدَاءُ وَتُقْبَلُ تَزْكِيَتُهُ لَهُ أَيْضًا لَا تَزْكِيَتُهُ لِشَاهِدٍ شَهِدَ عَلَيْهِ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَخَرَجَ بِالْعَدُوِّ أَصْلُ الْعَدُوِّ وَفَرْعُهُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا، إذْ لَا مَانِعَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (وَكَذَا) تُقْبَلُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْعَدُوِّ (فِي عَدَاوَةِ دِينٍ كَكَافِرٍ) شَهِدَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ (وَمُبْتَدِعٍ) شَهِدَ عَلَيْهِ سُنِّيٌّ؛ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ الدِّينِيَّةَ لَا تُوجِبُ رَدَّ الشَّهَادَةِ.
تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ الْعَالِمُ لِجَمَاعَةٍ: لَا تَسْمَعُوا الْحَدِيثَ مِنْ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَخْلِطُ أَوْ لَا تَسْتَفْتُوا مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُحْسِنُ الْفَتْوَى لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا نُصْحٌ لِلنَّاسِ، نَصّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ قَالَ وَلَيْسَ هَذَا بِعَدَاوَةٍ وَلَا غِيبَةٍ إنْ كَانَ يَقُولُهُ لِمَنْ يَخَافُ أَنْ يَتَّبِعَهُ وَيُخْطِئَ بِاتِّبَاعِهِ.
(وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ مُبْتَدِعٍ لَا نُكَفِّرُهُ) بِبِدْعَتِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا نُفَسِّقُهُ بِهَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مَنْ لَمْ يُكَفَّرْ بِبِدْعَتِهِ وَمَنْ يُكَفَّرُ بِهَا، وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ الرِّدَّةِ جُمْلَةٌ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مُنْكِرُ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute