وَيُشْتَرَطُ فِي تَوْبَةِ مَعْصِيَةٍ قَوْلِيَّةٍ الْقَوْلُ فَيَقُولُ الْقَاذِفُ قَذْفِي بَاطِلٌ وَأَنَا نَادِمٌ عَلَيْهِ وَلَا أَعُودُ إلَيْهِ، وَكَذَا شَهَادَةُ الزُّورِ. قُلْت: وَغَيْرُ الْقَوْلِيَّةِ يُشْتَرَطُ إقْلَاعٌ، وَنَدَمٌ، وَعَزْمٌ أَنْ لَا يَعُودَ، وَرَدُّ ظُلَامَةِ آدَمِيٍّ إنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[مغني المحتاج]
لَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِبْرَاءٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ بِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِبْرَاءِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَهُ وَجْهٌ، فَإِنَّ خَارِمَ الْمُرُوءَةِ صَارَ بِاعْتِيَادِهِ سَجِيَّةً لَهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِبَارِ حَالِهِ، وَذَكَرَ فِي الْمَطْلَبِ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِبْرَاءِ فِي التَّوْبَةِ مِنْ الْعَدَاوَةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ قَذْفًا أَمْ لَا كَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ (وَيُشْتَرَطُ فِي تَوْبَةِ مَعْصِيَةٍ قَوْلِيَّةٍ الْقَوْلُ) قِيَاسًا عَلَى التَّوْبَةِ مِنْ الرِّدَّةِ بِكَلِمَتَيْ الشَّهَادَةِ (فَيَقُولُ الْقَاذِفُ) مَثَلًا فِي التَّوْبَةِ مِنْ الْقَذْفِ (قَذْفِي) فُلَانًا (بَاطِلٌ) أَوْ مَا كُنْت مُحِقًّا فِيهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ (وَأَنَا نَادِمٌ عَلَيْهِ، وَلَا أَعُودُ إلَيْهِ) لِيَنْدَفِعَ عَارُ الْقَذْفِ، وَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يَقُولَ كَذَبْت، فَقَدْ يَكُونُ صَادِقًا فَكَيْفَ يُؤْمَرُ بِالْكَذِبِ فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: قَذْفِي بَاطِلٌ صَرِيحٌ فِي إكْذَابِ نَفْسِهِ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يُكَذِّبُ نَفْسَهُ، فَكَانَ الْأَوْلَى إتْيَانَهُ بِعِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ وَالْجُمْهُورِ، وَهِيَ الْقَذْفُ بَاطِلٌ: أَيْ قَذْفُ النَّاسِ بَاطِلٌ.
أُجِيبَ بِحَمْلِ كَلَامِهِ عَلَى تَجْوِيزِ نِيَابَةٍ الْمُضَافِ إلَيْهِ عَنْ الْأَلِفِ وَاللَّامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي} [الزمر: ١٤] أَيْ الدِّينَ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَذْفِ عَلَى سَبِيلِ الْإِيذَاءِ أَوْ عَلَى الشَّهَادَةِ إذَا لَمْ يَتِمَّ عَدَدُ الشُّهُودِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي هَذَا إلَّا كَذَّابٌ جَرَيَانُهُ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي انْتَهَى، وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: ظَاهِرٌ فِيمَنْ قَذَفَ بِحَضْرَةِ الْقَاضِي وَاتَّصَلَ قَذْفُهُ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ اعْتَرَفَ، وَغَيْرُ ظَاهِرٍ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالْقَاضِي أَصْلًا، بَلْ فِي جَوَازِ إتْيَانِهِ الْقَاضِيَ وَإِعْلَامِهِ لَهُ بِالْقَذْفِ نَظَرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيذَاءِ وَإِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ (وَكَذَا شَهَادَةُ الزُّورِ) يَقُولُ الشَّاهِدُ فِيهَا عَلَى وِزَانِ مَا مَرَّ شَهَادَتِي بَاطِلَةٌ وَأَنَا نَادِمٌ عَلَيْهَا، وَلَا أَعُودُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا سَبَقَ وَلَكِنَّ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ يَقُولُ: كَذَبْت فِيمَا قُلْت وَلَا أَعُودُ إلَى مِثْلِهِ وَأَقَرَّاهُ (قُلْت) كَالرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ (وَ) الْمَعْصِيَةُ (غَيْرُ الْقَوْلِيَّةِ) كَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَا وَالشُّرْبِ (يُشْتَرَطُ) فِي التَّوْبَةِ مِنْهَا (إقْلَاعٌ) عَنْهَا (وَنَدَمٌ) عَلَيْهَا (وَعَزْمٌ أَنْ لَا يَعُودَ) لَهَا (وَرَدُّ ظُلَامَةِ آدَمِيٍّ) مِنْ مَالٍ وَغَيْرِهِ، وَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ (إنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَيُؤَدِّي الزَّكَاةَ لَمُسْتَحَقِّهَا، وَيَرُدُّ الْمَغْصُوبَ إنْ بَقِيَ وَبَدَلَهُ إنْ تَلِفَ لِمُسْتَحِقِّهِ أَوْ يَسْتَحِلُّ مِنْهُ أَوْ مِنْ وَارِثِهِ وَيُعْلِمُهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُسْتَحِقٌّ أَوْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ سَلَّمَهَا إلَى قَاضٍ أَمِينٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ تَصَدَّقَ بِهَا وَيُؤَدِّي الْغُرْمَ أَوْ يَتْرُكُهَا عِنْدَهُ، وَالْمُعْسِرُ يَنْوِي الْعَزْمَ إذَا قَدِرَ، فَإِنْ مَاتَ مُعْسِرًا طُولِبَ فِي الْآخِرَةِ إنْ عَصَى بِالِاسْتِدَانَةِ كَأَنْ اسْتَدَانَ لِإِعَانَةٍ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَإِلَّا فَإِنْ اسْتَدَانَ لِحَاجَةٍ فِي أَمْرٍ مُبَاحٍ، فَهُوَ جَائِزٌ إنْ رَجَا الْوَفَاءَ مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ سَبَبٍ ظَاهِرٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ حِينَئِذٍ، وَالرَّجَاءُ فِي اللَّهِ تَعَالَى تَعْوِيضُ خَصْمِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute