للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَقْبِضُ نَصِيبَهُ، فَإِذَا زَالَ عُذْرُهُ حَلَفَ وَأَخَذَ بِغَيْرِ إعَادَةِ شَهَادَةٍ.

وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلٍ كَزِنًا وَغَصْبٍ وَإِتْلَافٍ وَوِلَادَةٍ إلَّا بِالْإِبْصَارِ.

ــ

[مغني المحتاج]

صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا) (فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَقْبِضُ نَصِيبَهُ) ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَصَّ فِي الْمَجْنُونِ عَلَى أَنَّهُ يُوقَفُ نَصِيبُهُ، وَفِي مَعْنَاهُ الصَّبِيُّ وَالْغَائِبُ، وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي مَعْنَى النَّصِّ، فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ: أَرَادَ التَّوَقُّفَ عَنْ الْحُكْمِ لَهُ إلَى إفَاقَتِهِ فَيَحْلِفَ وَيَأْخُذَ أَوْ يَمْتَنِعَ فَلَا يُعْطَى شَيْئًا، وَعَلَى هَذَا فَلَا يُنْزَعُ مِنْ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّهُ يَأْخُذُ نَصِيبَهُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيُوقَفُ الدَّفْعُ إلَيْهِ عَلَى حَلِفِهِ (فَإِذَا زَالَ عُذْرُهُ) بِأَنْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ (حَلَفَ وَأَخَذَ) حِصَّتَهُ (بِغَيْرِ إعَادَةِ شَهَادَةٍ) وَاسْتِئْنَافِ دَعْوَى؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى وَالشَّاهِدَ لِلْمَيِّتِ قَدْ وُجِدَا بِإِقَامَةِ الْكَامِلِ مِنْ الْوَرَثَةِ خِلَافَةً عَنْ الْمَيِّتِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى لَا عَنْ جِهَةِ الْإِرْثِ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ وَلِأَخِيهِ الْغَائِبِ أَوْ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ أَوْ اشْتَرَيْتُ أَنَا وَأَخِي الْغَائِبُ مِنْك كَذَا وَأَقَامَ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ هُنَاكَ مِنْ تَجْدِيدِ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوْ قَدِمَ الْغَائِبُ، وَلَا يُؤْخَذُ نَصِيبُ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ أَوْ الْغَائِبِ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى فِي الْمِيرَاثِ عَنْ الْمَيِّتِ وَهُوَ وَاحِدٌ، وَالْوَارِثُ خَلِيفَتُهُ وَفِي غَيْرِهِ الْحَقُّ لِأَشْخَاصٍ، فَلَا يَدَّعِي وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ وَلَا وِلَايَةٍ. قَالَا: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحَاضِرُ الْكَامِلُ الَّذِي لَمْ يَشْرَعْ فِي الْخُصُومَةِ أَوْ لَمْ يَشْعُرْ بِالْحَالِ كَالصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ فِي بَقَاءِ حَقِّهِ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي الْكَامِلِ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ الْإِعَادَةِ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُ الشَّاهِدِ بِمَا يَقْتَضِي رَدَّ شَهَادَتِهِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ فَوَجْهَانِ، أَوْجَهُهُمَا كَمَا رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ اتَّصَلَ بِشَهَادَتِهِ دُونَ الْحَالِفِ، وَمَحَلُّ مَوْضِعِ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى إعَادَةِ الشَّهَادَةِ فِي حَالَتَيْ تَغَيُّرِ الشَّاهِدِ وَعَدَمِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ: فِيمَا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ قَدْ ادَّعَى بِجَمِيعِ الْحَقِّ، أَمَّا لَوْ كَانَ قَدْ ادَّعَى بِحِصَّتِهِ فَقَطْ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعَادَةِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مُسْتَنِدِ عِلْمِ الشَّاهِدِ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ وَالْعِلْمِ. فَقَالَ (وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلٍ كَزِنًا) وَشُرْبِ خَمْرٍ (وَغَصْبٍ وَإِتْلَافٍ وَوِلَادَةٍ) وَرَضَاعٍ وَاصْطِيَادٍ وَإِحْيَاءٍ وَكَوْنِ الْيَدِ عَلَى مَالٍ (إلَّا بِالْإِبْصَارِ) لَهُ مَعَ فَاعِلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِلُ بِهِ إلَى الْعِلْمِ وَالْيَقِينِ فَلَا يَكْفِي فِيهِ السَّمَاعُ مِنْ الْغَيْرِ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَى مِثْلِهَا فَاشْهَدْ» إلَّا أَنَّ مِنْ الْحُقُوقِ مَا اُكْتُفِيَ فِيهِ بِالظَّنِّ الْمُؤَكَّدِ لِتَعَذُّرِ الْيَقِينِ فِيهِ وَتَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِهِ كَالْمِلْكِ فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ يَقِينًا، وَكَذَلِكَ الْعَدَالَةُ وَالْإِعْسَارُ.

تَنْبِيهٌ: أَوْرَدَ الْبُلْقِينِيُّ صُوَرًا يُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ الْأَعْمَى عَلَى الْفِعْلِ، الْأُولَى: الزِّنَا إذَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَى ذَكَرٍ دَاخِلٍ فِي فَرْجِ امْرَأَةٍ أَوْ دُبُرِ صَبِيٍّ مَثَلًا فَأَمْسَكَهُمَا وَلَزِمَهُمَا حَتَّى شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِمَا عَرَفَهُ بِمُقْتَضَى وَضْعِ الْيَدِ فَهَذَا أَبْلَغُ مِنْ الرُّؤْيَةِ. الثَّانِيَةُ: الْغَصْبُ وَالْإِتْلَافُ لَوْ جَلَسَ الْأَعْمَى

<<  <  ج: ص:  >  >>