وَمَنْ سَمِعَ قَوْلَ شَخْصٍ أَوْ رَأَى فِعْلَهُ، فَإِنْ عَرَفَ عَيْنَهُ وَاسْمَهُ وَنَسَبَهُ شَهِدَ عَلَيْهِ فِي حُضُورِهِ إشَارَةً، وَعِنْدَ غَيْبَتِهِ وَمَوْتِهِ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ، فَإِنْ جَهِلَهُمَا لَمْ يَشْهَدْ عَنَدَ مَوْتِهِ وَغَيْبَتِهِ.
ــ
[مغني المحتاج]
لِفُلَانٍ بْنِ فُلَانٍ بِكَذَا، بِخِلَافِ مَجْهُولِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا أَخْذًا مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ. نَعَمْ لَوْ عَمِيَ وَيَدُهُمَا أَوْ يَدُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِي يَدِهِ فَشَهِدَ عَلَيْهِ فِي الْأُولَى مُطْلَقًا مَعَ تَمْيِيزِهِ لَهُ مِنْ خَصْمِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ لِمَعْرُوفِ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ كَمَا بَحْثَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْأُولَى، وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُ الرَّوْضَةِ فِي الثَّانِيَةِ (وَمَنْ سَمِعَ قَوْلَ شَخْصٍ أَوْ رَأَى فِعْلَهُ، فَإِنْ عَرَفَ عَيْنَهُ وَاسْمَهُ وَنَسَبَهُ شَهِدَ عَلَيْهِ فِي حُضُورِهِ إشَارَةً) لَا بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ فَقَطْ كَمَا لَوْ لَمْ يَعْرِفْ بِهِمَا (وَعِنْدَ غَيْبَتِهِ وَمَوْتِهِ) وَدَفْنِهِ (بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ) لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِذَلِكَ (فَإِنْ جَهِلَهُمَا) أَيْ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ أَوْ أَحَدَهُمَا (لَمْ يَشْهَدْ عَنَدَ مَوْتِهِ) وَدَفْنِهِ (وَغَيْبَتِهِ) فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُدْفَنْ أُحْضِرَ لِيُشَاهِدَ صُورَتَهُ، وَيَشْهَدَ عَلَى عَيْنِهِ.
وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنْ كَانَ بِالْبَلَدِ وَلَمْ يُخْشَ تَغَيُّرُهُ بِإِحْضَارِهِ، وَإِلَّا فَالْوَجْهُ حُضُورُ الشَّاهِدِ إلَيْهِ، فَإِنْ دُفِنَ لَمْ يَحْضُرْ إذْ لَا يَجُوزُ نَبْشُهُ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: فَإِنْ اشْتَدَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَلَمْ تَتَغَيَّرْ صُورَتُهُ جَازَ نَبْشُهُ اهـ.
قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَهَذَا احْتِمَالٌ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ، ثُمَّ قَالَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَالْمُرَادُ بِالنَّسَبِ اسْمُ أَبِيهِ وَجَدِّهِ، فَإِنْ عُرِفَ اسْمُهُ وَاسْمُ أَبِيهِ دُونَ جَدِّهِ شَهِدَ بِذَلِكَ وَلَمْ تُفِدْ شَهَادَتُهُ بِهِ إلَّا إنْ ذَكَرَ لِلْقَاضِي أَمَارَاتٍ يَتَحَقَّقُ بِهَا نَسَبُهُ بِأَنْ يَتَمَيَّزَ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ فَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِ حِينَئِذٍ كَذَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْغَزَالِيِّ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ غَيْرِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تُفِيدُ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى مَجْهُولٍ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا الْإِسْنَوِيِّ بِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيمَا إذَا حَصَلَتْ الْمَعْرِفَةُ بِذَلِكَ. وَالثَّانِي فِيمَا إذَا لَمْ تَحْصُلْ بِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْمَعْرِفَةِ، وَلَوْ بِمُجَرَّدِ لَقَبٍ خَاصٍّ بِهِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى السُّلْطَانِ بِقَوْلِهِ: أَشْهَدُ عَلَى سُلْطَانِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَكْفِي، وَلَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ، وَلَوْ كَانَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ بَعْدَ اشْتِرَاطِهِ ذِكْرَ اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَحِلْيَتِهِ وَصَنْعَتِهِ: وَإِذَا حَصَلَ الْإِعْلَامُ بِبَعْضِ مَا ذَكَرْنَاهُ اكْتَفَى بِهِ اهـ.
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَبِهَا يَزُولُ الْإِشْكَالُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى عُتَقَاءِ السُّلْطَانِ وَالْأُمَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّ الشُّهُودَ لَا تَعْرِفُ أَنْسَابَهُمْ غَالِبًا، فَيُكْتَفَى بِذَكَرِ أَسْمَائِهِمْ مَعَ مَا يَحْصُلُ التَّمْيِيزُ بِهِ مِنْ أَوْصَافِهِمْ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ الْحُكَّامِ قَالَ: وَقَدْ اعْتَمَدْتُ عَلَى شَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ عَلَى فُلَانٍ التَّاجِرِ الْمُتَوَفَّى فِي وَقْتِ كَذَا الَّذِي كَانَ سَاكِنًا فِي الْحَانُوتِ الْفُلَانِيِّ إلَى وَقْتِ وَفَاتِهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَسْكُنْ فِي ذَلِكَ الْحَانُوتِ فِي هَذَا الْوَقْتِ غَيْرُهُ وَحَكَمْتُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ.
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: فَالْمَدَارُ عَلَى ذِكْرِ مَا يُعْرَفُ بِهِ كَيْفَمَا كَانَ، قَالَ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى مُجَرَّدِ الِاسْمِ قَدْ تَنْفَعُ عِنْدَ الشُّهْرَةِ وَعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ، فَلَوْ تَحَمَّلَهَا عَلَى مِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ، وَقَالَ لَهُ اسْمِي وَنَسَبِي كَذَا لَمْ يَعْتَمِدْهُ، فَلَوْ اسْتَفَاضَ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ بَعْدَ تَحَمُّلِهَا عَلَيْهِ، فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي غِيبَتِهِ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ كَمَا لَوْ عَرَفَهُمَا عِنْدَ التَّحَمُّلِ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ عِنْدَ التَّحَمُّلِ أَوْ بَعْدَهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ لَمْ يَشْهَدْ فِي غِيبَتِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الشَّهَادَةِ عَلَى النَّسَبِ بِالسَّمَاعِ مِنْ عَدْلَيْنِ كَمَا هُوَ الرَّاجِحُ كَمَا سَيَأْتِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute