وَإِذَا جَازَ الْأَخْذُ فَلَهُ كَسْرُ بَابٍ وَنَقْبُ جِدَارٍ لَا يَصِلُ الْمَالَ إلَّا بِهِ، ثُمَّ الْمَأْخُوذُ مِنْ جِنْسِهِ يَتَمَلَّكُهُ وَمِنْ غَيْرِهِ يَبِيعُهُ، وَقِيلَ يَجِبُ رَفْعُهُ إلَى قَاضٍ يَبِيعُهُ
ــ
[مغني المحتاج]
الْمَنْفَعَةُ فَالظَّاهِرُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهَا كَالْعَيْنِ إنْ وَرَدَتْ عَلَى عَيْنٍ فَلَهُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْهَا بِنَفْسِهِ إنْ لَمْ يَخْشَ ضَرَرًا وَكَالدَّيْنِ إنْ وَرَدَتْ عَلَى ذِمَّةٍ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى تَخْلِيصِهَا بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ ذَلِكَ بِشَرْطِهِ (وَإِذَا جَازَ) لِلْمُسْتَحِقِّ (الْأَخْذُ) مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ لِقَاضٍ (فَلَهُ) حِينَئِذٍ (كَسْرُ بَابٍ وَنَقْبُ جِدَارٍ لَا يَصِلُ الْمَالَ) هُوَ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَالتَّقْدِيرُ لَا يَصِلُ إلَى الْمَالِ (إلَّا بِهِ) ؛ لِأَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ شَيْئًا اسْتَحَقَّ الْوُصُولَ إلَيْهِ وَلَا يَضْمَنُ مَا فَوَّتَهُ كَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِ الصَّائِلِ إلَّا بِإِتْلَافِ مَالٍ فَأَتْلَفَهُ لَا يَضْمَنُ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إذَا كَانَ الْحِرْزُ لِلدَّيْنِ وَغَيْرُ مَرْهُونٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِفَلَسٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: سَائِرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَإِجَارَةٍ وَوَصِيَّةٍ بِمَنْفَعَةٍ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي مِلْكِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَلَا فِي جِدَارِ غَرِيمِ الْغَرِيمِ كَمَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ قَطْعًا أَيْ لِأَنَّهُ أَحَطُّ رُتْبَةً مِنْ الْغَرِيمِ، وَلَا أَنْ يُوَكِّلَ فِي الْكَسْرِ وَالنَّقْبِ غَيْرَهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي؛ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا يَصِلُ الْمَالَ إلَّا بِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُقِرًّا مُمْتَنِعًا أَمْ مُنْكِرًا وَلَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ: كُنْتُ أَوَدُّ أَنْ لَوْ خُصِّصَ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَجِدْ سَبِيلًا إلَى الْأَخْذِ بِالْحَاكِمِ كَمَا فِي صُورَةِ الْجُحُودِ وَعَدَمِ الْبَيِّنَةِ. أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ وَقَدَرَ عَلَى خَلَاصِ حَقِّهِ بِحَاكِمٍ، فَفِيهِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالْحَاكِمِ عِنْدَ الْمُكْنَةِ أَسْهَلُ وَأَخَفُّ كُلْفَةً مِنْ نَقْبِ الْجِدَارِ وَكَسْرِ الْبَابِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الصَّائِلَ يَدْفَعُ بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ اهـ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ.
فَرْعٌ: لَوْ غَصَبَ مِنْهُ نَجَاسَةً يَخْتَصُّ بِهَا كَجِلْدِ مَيْتَةٍ وَسِرْجِينٍ وَكَلْبٍ مُعَلَّمٍ وَجَحَدَهُ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَكْسِرُ بَابًا وَلَا يَنْقُبُ جِدَارًا؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا تَكَلَّمُوا فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الدَّمِيرِيُّ (ثُمَّ الْمَأْخُوذُ مِنْ جِنْسِهِ) إلَى الْحَقِّ (يَتَمَلَّكُهُ) بَدَلًا عَنْ حَقِّهِ.
تَنْبِيهٌ: التَّعْبِيرُ بِالتَّمَلُّكِ وَقَعَ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِنَفْسِ الْأَخْذِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إحْدَاثِ تَمَلُّكٍ، وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِمَا أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ، وَاعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لِمَنْ يَقْصِدُ أَخْذَ حَقِّهِ، وَإِذَا وُجِدَ الْقَصْدُ مُقَارِنًا كَفَى وَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِهِ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ.
وَجَمَعَ شَيْخُنَا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِأَنَّ كَلَامَ هَؤُلَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَأْخُوذُ عَلَى صِفَةِ حَقِّهِ أَيْ أَوْ دُونَهُ كَأَخْذِ الدَّرَاهِمِ الْمُكَسَّرَةِ عَنْ الصَّحِيحَةِ، وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ صِفَتِهِ، أَيْ كَأَخْذِ الدَّرَاهِمِ الصِّحَاحِ عَنْ الْمُنْكَسِرَةِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ كَغَيْرِ الْجِنْسِ وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ (وَ) الْمَأْخُوذُ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ جِنْسِ حَقِّهِ أَيْ أَوْ أَعْلَى مِنْ صِفَتِهِ (يَبِيعُهُ) بِنَفْسِهِ مُسْتَقِلًّا لِلْحَاجَةِ، وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي آخَرِ الطَّلَاقِ (وَقِيلَ يَجِبُ رَفْعُهُ إلَى قَاضٍ يَبِيعُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute