وَالْمَأْخُوذُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ فَيَضْمَنُهُ إنْ تَلِفَ قَبْلَ تَمَلُّكِهِ وَبَيْعِهِ، وَلَا يَأْخُذُ فَوْقَ حَقِّهِ إنْ أَمْكَنَهُ الِاقْتِصَارُ.
وَلَهُ أَخْذُ مَالِ غَرِيمِ غَرِيمِهِ،
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطَّلِعْ الْقَاضِي عَلَى الْحَالِ، فَإِنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ لَمْ يَبِعْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ جَزْمًا، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى بَيِّنَةٍ، وَإِلَّا فَلَا يَسْتَقِلُّ مَعَ وُجُودِهَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَبَحَثَهُ بَعْضُهُمْ. قَالَ: بَلْ هِيَ أَوْلَى مِنْ عِلْمِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِعِلْمِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بِخِلَافِهَا، وَخَصَّ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَغَيْرُهُ الْخِلَافَ بِهِ بِبَيْعِهِ لِلْغَيْرِ. أَمَّا لَوْ أَرَادَ بَيْعَهُ مِنْ نَفْسِهِ، فَلَا يَجُوزُ قَطْعًا، وَلِأَنَّهُ لِأَجْلِ امْتِنَاعِ تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَلَا يَتَمَلَّكُهُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ يُسَلِّطُهُ عَلَى الْبَيْعِ كَمَا يُسَلِّطُهُ عَلَى الْأَخْذِ؛ فَإِذَا بَاعَهُ فَيَبِعْهُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ. ثُمَّ يَشْتَرِي بِهِ جِنْسَ حَقِّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ نَقْدُ الْبَلَدِ (وَالْمَأْخُوذُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ) أَيْ الْآخِذِ (فِي الْأَصَحِّ فَيَضْمَنُهُ إنْ تَلِفَ قَبْلَ تَمَلُّكِهِ وَبَيْعِهِ) بِالْأَكْثَرِ مِنْ قِيمَتِهِ مِنْ حِينِ أَخْذِهِ إلَى حِينِ تَلَفِهِ كَالْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ لِغَرَضِ نَفْسِهِ، بَلْ أَوْلَى مِنْ الْمُسْتَامِ لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ، وَلِأَنَّ الْمُضْطَرَّ إذَا أَخَذَ ثَوْبَ غَيْرِهِ لِدَفْعِ الْحَرِّ وَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَهُ فَكَذَا هُنَا، وَالثَّانِي لَا يَضْمَنُهُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِلتَّوَثُّقِ، وَالتَّوَصُّلُ إلَى الْحَقِّ كَالْمُرْتَهِنِ، وَإِذْنُ الشَّارِعِ فِي الْأَخْذِ يَقُومُ مَقَامَ إذْنِ الْمَالِكِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْبَغِي أَنْ يُبَادِرَ إلَى بَيْعِ مَا أَخَذَهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، فَإِنْ قَصَّرَ فَنَقَصَتْ ضَمِنَ النُّقْصَانَ، وَلَوْ انْخَفَضَتْ الْقِيمَةُ وَارْتَفَعَتْ وَتَلِفَ فَهِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ بِالْأَكْثَرِ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إذَا تَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْبَيْعِ، فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ فَلَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ قَطْعًا، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْجِنْسِ. أَمَّا الْمَأْخُوذُ مِنْ الْجِنْسِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ ضَمَانَ يَدٍ قَطْعًا لِحُصُولِ مِلْكِهِ بِالْأَخْذِ عَنْ حَقِّهِ كَمَا سَبَقَ اهـ.
وَالْمُصَنِّفُ أَطْلَقَ ذَلِكَ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ تَجْدِيدِ مِلْكِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَوْنِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ قَبْلَ بَيْعِهِ أَنَّهُ لَوْ أَحْدَثَ فِيهِ زِيَادَةً قَبْلَ الْبَيْعِ كَانَتْ عَلَى مِلْكِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فَإِنْ بَاعَ مَا أَخَذَهُ وَتَمَلَّك ثَمَنَهُ، ثُمَّ وَفَّاهُ الْمَدْيُونُ دَيْنَهُ رَدَّ إلَيْهِ قِيمَتَهُ كَغَاصِبٍ رَدَّ الْمَغْصُوبَ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ (وَلَا يَأْخُذُ) الْمُسْتَحِقُّ (فَوْقَ حَقِّهِ) (إنْ أَمْكَنَهُ الِاقْتِصَارُ) عَلَى قَدْرِ حَقِّهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، فَإِنْ أَخَذَهُ ضَمِنَ الزَّائِدَ لِتَعَدِّيهِ بِأَخْذِهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ بِأَنْ لَمْ يَظْفَرْ إلَّا بِمَتَاعٍ تَزِيدُ قِيمَتُهُ عَلَى حَقِّهِ أَخَذَهُ، وَلَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا بِحَقِّهِ مِنْ الضَّرَرِ بِخِلَافِ قَدْرِ حَقِّهِ. ثُمَّ إنْ تَعَذَّرَ بَيْعُ قَدْرِ حَقِّهِ فَقَطْ بَاعَ الْجَمِيعَ وَأَخَذَ مِنْ ثَمَنِهِ قَدْرَ حَقِّهِ، وَرَدَّ مَا زَادَ عَلَيْهِ عَلَى غَرِيمِهِ بِهِبَةٍ وَنَحْوِهَا، وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ ذَلِكَ بَاعَ مِنْهُ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَرَدَّ مَا زَادَ كَذَلِكَ.
(وَلَهُ أَخْذُ مَالِ غَرِيمِ غَرِيمِهِ) كَأَنْ يَكُونَ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو دَيْنٌ وَلِعَمْرٍو عَلَى بَكْرٍ مِثْلُهُ، فَلِزَيْدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ بَكْرٍ مَالَهُ عَلَى عَمْرٍو، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ رَدُّ عَمْرٍو تَصَرُّفَ زَيْدٍ بِالْأَخْذِ وَعَدَمِ حُسْبَانِ ذَلِكَ عَنْ دَيْنِهِ عَلَى بَكْرٍ، وَلَا إقْرَارُ بَكْرٍ لِعَمْرٍو، وَلَا جُحُودُ بَكْرٍ اسْتِحْقَاقَ زَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute