للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا تَنْجُسُ قُلَّتَا الْمَاءِ بِمُلَاقَاةِ نَجِسٍ،

ــ

[مغني المحتاج]

فَإِنْ جَرَى الْمَاءُ مِنْ عُضْوِ الْمُتَوَضِّئِ إلَى عُضْوِهِ الْآخَرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَأَنْ جَاوَزَ مَنْكِبَهُ أَوْ تَقَاطَرَ مِنْ عُضْوٍ، وَلَوْ مِنْ عُضْوِ بَدَنِ الْجُنُبِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا، نَعَمْ مَا يَغْلِبُ فِيهِ التَّقَاذُفُ كَمِنْ الْكَفِّ إلَى السَّاعِدِ وَعَكْسِهِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لِلْعُذْرِ، وَإِنْ خَرَقَهُ الْهَوَاءُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، وَلَوْ غَرَفَ بِكَفِّهِ جُنُبٌ نَوَى رَفْعَ الْجَنَابَةِ أَوْ مُحْدِثٌ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ الْغَسْلَةَ الْأُولَى عَلَى مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ أَوْ الْغَسَلَاتِ الثَّلَاثَ كَمَا قَالَهُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَهُوَ أَوْجَهُ إنْ لَمْ يُرِدْ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ مِنْ مَاءٍ قَلِيلٍ وَلَمْ يَنْوِ الِاغْتِرَافَ بِأَنْ نَوَى اسْتِعْمَالًا أَوْ أَطْلَقَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا، فَلَوْ غَسَلَ بِمَا فِي كَفِّهِ بَاقِيَ يَدِهِ لَا غَيْرَهَا أَجْزَأَهُ، أَمَّا إذَا نَوَى الِاغْتِرَافَ بِأَنْ قَصَدَ نَقْلَ الْمَاءِ مِنْ الْإِنَاءِ وَالْغَسْلَ بِهِ خَارِجَهُ لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا وَلَا يُشْتَرَطُ لِنِيَّةِ الِاغْتِرَافِ نَفْيُ رَفْعِ الْحَدَثِ

(وَلَا تَنْجُسُ قُلَّتَا الْمَاءِ) الصِّرْفِ (بِمُلَاقَاةِ نَجِسٍ) جَامِدٍ أَوْ مَائِعٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» . قَالَ الْحَاكِمُ (١) عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ لَا يَنْجَسُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: «لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» : أَيْ يَدْفَعُ النَّجَسَ وَلَا يَقْبَلُهُ، وَفَارَقَ كَثِيرُ الْمَاءِ كَثِيرَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَنْجُسُ بِمُجَرَّدِ مُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ بِأَنَّ كَثِيرَهُ قَوِيٌّ، وَيَشُقُّ حِفْظُهُ عَنْ النَّجَسِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَإِنْ كَثُرَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا الصِّرْفِ مَا لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ مَائِعٌ يُوَافِقُهُ فِي الصِّفَاتِ وَفَرَضْنَاهُ مُخَالِفًا فَلَمْ يُغَيِّرْهُ فَحَكَمْنَا بِطَهُورِيَّتِهِ وَكَأَنَّ الْمَاءَ الصِّرْفَ يَنْقُصُ عَنْ قُلَّتَيْنِ بِقَدْرِ الْمَائِعِ الْوَاقِعِ فِيهِ فَصَارَ قُلَّتَيْنِ وَوَقَعَتْ فِيهِ بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ قُلَّتَيْنِ نَجَاسَةٌ فَإِنَّهُ يَنْجُسُ بِمُجَرَّدِ مُلَاقَاتِهَا، وَإِنَّمَا تَدْفَعُ النَّجَاسَةَ قُلَّتَانِ مِنْ مَحْضِ الْمَاءِ. وَاسْتُشْكِلَ بِتَصْحِيحِهِمْ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ جَمِيعِ ذَلِكَ الْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ غَيْرَ كَافٍ لِلطَّهَارَةِ، وَنَزَّلُوا الْمَائِعَ الْمُسْتَهْلَكَ مَنْزِلَةَ الْمَاءِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ رَفْعَ الْحَدَثِ وَإِزَالَةَ النَّجَسِ مِنْ بَابِ الرَّفْعِ، وَدَفْعُ النَّجَاسَةِ مِنْ بَابِ الدَّفْعِ.

قَاعِدَةٌ: وَالدَّفْعُ أَقْوَى مِنْ الرَّفْعِ، وَالدَّافِعُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنْ الرَّافِعِ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ إذَا وَرَدَ عَلَى نَجَاسَةٍ طَهَّرَهَا، وَتَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ، وَلَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ النَّجَاسَةَ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ. وَبِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ كَانَ فِي عَوْدِهِ طَهُورًا وَجْهَانِ، وَلَوْ اُسْتُعْمِلَ قُلَّتَيْنِ ابْتِدَاءً لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ إذَا اُسْتُعْمِلَ، وَهُوَ قُلَّتَانِ كَانَ دَافِعًا لِلِاسْتِعْمَالِ، وَإِذَا جُمِعَ كَانَ رَافِعًا، وَالدَّفْعُ أَقْوَى مِنْ الرَّفْعِ كَمَا مَرَّ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْحُكْمِ بِتَنْجِيسِهِ أَنَّهُ لَوْ انْغَمَسَ فِيهِ جُنُبٌ صَارَ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ لَا يَدْفَعُ الِاسْتِعْمَالَ: نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>