وَلَوْ أَقَامَ بِبَلَدٍ بِنِيَّةِ أَنْ يَرْحَلَ إذَا حَصَلَتْ حَاجَةٌ يَتَوَقَّعُهَا كُلَّ وَقْتٍ قَصَرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَقِيلَ أَرْبَعَةً، وَفِي قَوْلٍ أَبَدًا، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي خَائِفِ الْقِتَالِ لَا التَّاجِرِ وَنَحْوِهِ
ــ
[مغني المحتاج]
بِخِلَافِ اللُّبْسِ. فَإِنَّهُ مُسْتَوْعِبٌ لِلْمُدَّةِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا يُحْسَبَانِ إنَّمَا يُحْسَبَانِ بِالتَّلْفِيقِ لَا يَوْمَانِ كَامِلَانِ، فَلَوْ دَخَلَ زَوَالُ السَّبْتِ لِيَخْرُجَ زَوَالُ الْأَرْبِعَاءِ أَتَمَّ، أَوْ قَبْلَهُ قَصَرَ، فَإِنْ دَخَلَ لَيْلًا لَمْ تُحْسَبْ بَقِيَّةُ اللَّيْلَةِ، وَيُحْسَبُ الْغَدُ وَمُقَامُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دُونَ مَا يُقِيمُهُ لَوْ دَخَلَ نَهَارًا، وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الرُّخْصَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِعَدَدِ الْأَيَّامِ بَلْ بِعَدَدِ الصَّلَوَاتِ فَيَتَرَخَّصُ بِإِحْدَى وَعِشْرِينَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً لِأَنَّهُ الْمُحَقَّقُ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ نَزَلَ بِالْأَبْطَحِ، وَعَلَى الصَّحِيحِ يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً. تَنْبِيهٌ: عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَصَحِّ فَاقْتَضَى قُوَّةَ الْخِلَافِ خِلَافًا لِتَعْبِيرِهِ هُنَا بِالصَّحِيحِ، لَكِنَّهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَوَّلِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ.
(وَلَوْ أَقَامَ بِبَلَدٍ) مَثَلًا (بِنِيَّةِ أَنْ يَرْحَلَ إذَا حَصَلَتْ حَاجَةٌ يَتَوَقَّعُهَا كُلَّ وَقْتٍ) أَوْ حَبَسَهُ الرِّيحُ بِمَوْضِعٍ فِي الْبَحْرِ (قَصَرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا) غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَهَا بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ لِحَرْبِ هَوَازِنَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ (١) وَإِنْ كَانَ فِي سَنَدِهِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ لَهُ شَوَاهِدَ تَجْبُرُهُ كَمَا قَالَ الشِّهَابُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ. وَرُوِيَ " خَمْسَةَ عَشَرَ، وَسَبْعَةَ عَشَرَ، وَتِسْعَةَ عَشَرَ وَعِشْرِينَ ". رَوَاهَا أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ إلَّا تِسْعَةَ عَشَرَ، فَالْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهِيَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ.
وَقَدْ جَمَعَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ مَا عَدَا رِوَايَتَيْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَعِشْرِينَ بِأَنَّ رَاوِيَ تِسْعَةَ عَشَرَ عَدَّ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، وَرَاوِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ لَمْ يَعُدَّهُمَا، وَرَاوِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَدَّ أَحَدَهُمَا فَقَطْ. وَأَمَّا رِوَايَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَضَعِيفَةٌ، وَرِوَايَةُ عِشْرِينَ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَشَاذَّةٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَذْكُورُ آنِفًا. قَالَ شَيْخُنَا: وَهَذَا الْجَمْعُ يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِمْ: يَقْصُرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ. وَقَدْ يُجْمَعُ بَيْنَهَا مَا عَدَا رِوَايَتَيْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسَبْعَةَ عَشَرَ بِأَنَّ رَاوِيَ الْعِشْرِينَ عَدَّ الْيَوْمَيْنِ، وَرَاوِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لَمْ يَعُدَّهُمَا، وَرَاوِيَ تِسْعَةَ عَشَرَ عَدَّ أَحَدَهُمَا، وَبِهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ اهـ وَهَذَا جَمْعٌ حَسَنٌ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قَدَّمَ الشَّافِعِيُّ رِوَايَةَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَلَى تِسْعَةَ عَشَرَ مَعَ أَنَّهَا أَصَحُّ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ خَبَرَ عِمْرَانَ لَمْ يَضْطَرِبْ عَلَيْهِ. وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَفِيهِ تِسْعَةَ عَشَرَ وَسَبْعَةَ عَشَرَ (وَقِيلَ) يَقْصُرُ (أَرْبَعَةً) غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ التَّرَخُّصَ إذَا امْتَنَعَ بِنِيَّةِ إقَامَتِهَا فَبِإِقَامَتِهَا أَوْلَى، لِأَنَّ الْفِعْلَ أَبْلَغُ مِنْ النِّيَّةِ (وَفِي قَوْلٍ) يَقْصُرُ (أَبَدًا) أَيْ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ زَادَتْ حَاجَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ لَقَصَرَ فِي الزَّائِدِ أَيْضًا (وَقِيلَ: الْخِلَافُ) الْمَذْكُورُ، وَهُوَ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ (فِي خَائِفِ الْقِتَالِ) وَالْمُقَاتِلِ (لَا التَّاجِرِ وَنَحْوِهِ) كَالْمُتَفَقِّهِ فَلَا يَقْصُرَانِ فِي الزَّائِدِ عَلَيْهَا قَطْعًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلْحَرْبِ أَثَرًا فِي تَغْيِيرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute