وَلَوْ كَانَ لِمَقْصِدِهِ طَرِيقَانِ: طَوِيلٌ وَقَصِيرٌ فَسَلَكَ الطَّوِيلَ لِغَرَضٍ كَسُهُولَةٍ أَوْ أَمْنٍ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَظْهَرِ.
ــ
[مغني المحتاج]
شَيْخِي، وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّمَا يَتَرَخَّصُ فِي مَرْحَلَتَيْنِ لَا فِيمَا زَادَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَقْصِدٌ مَعْلُومٌ.
وَلَوْ عَلِمَ الْأَسِيرُ أَنَّ سَفَرَهُ طَوِيلٌ وَنَوَى الْهَرَبَ إنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ لَمْ يَقْصُرْ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ وَيَقْصُرُ بَعْدَهُمَا، وَلَا أَثَرَ لِلنِّيَّةِ بِقَطْعِهِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يَأْتِي فِي الزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ إذَا نَوَتْ الزَّوْجَةُ أَنَّهَا مَتَى تَخَلَّصَتْ مِنْ زَوْجِهَا رَجَعَتْ، وَالْعَبْدُ أَنَّهُ مَتَى عَتَقَ رَجَعَ فَلَا يَتَرَخَّصَانِ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ وَأُلْحِقَ بِالزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ الْجُنْدِيُّ، وَبِالْفِرَاقِ النُّشُوزُ، وَبِالْعِتْقِ الْإِبَاقُ.
فَائِدَةٌ: مَتَى فَاتَ مَنْ لَهُ الْقَصْرُ بَعْدَ الْمَرْحَلَتَيْنِ صَلَاةٌ فِيهِمَا قَصَرَ فِي السَّفَرِ لِأَنَّهَا فَائِتَةُ سَفَرٍ طَوِيلٍ كَمَا شَمِلَ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: تُقْصَرُ فَائِتَةُ السَّفَرِ فِي السَّفَرِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخِي.
وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا عَمَّا إذَا نَوَى مَسَافَةَ الْقَصْرِ ثُمَّ نَوَى بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْعُمْرَانِ الَّذِي لَا يَقْصُرُ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ أَوْ السُّورِ أَنَّهُ إنْ وَجَدَ غَرَضَهُ رَجَعَ، أَوْ أَنْ يُقِيمَ فِي طَرِيقِهِ وَلَوْ بِمَكَانٍ قَرِيبٍ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ تَرَخَّصَ إلَى أَنْ يَجِدَ غَرَضَهُ أَوْ يَدْخُلَ الْمَكَانَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الرُّخْصَةِ قَدْ انْعَقَدَ فَيَسْتَمِرُّ حُكْمُهُ إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا غَيَّرَ النِّيَّةِ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ مُفَارَقَةِ مَا ذَكَرَ.
فَإِنْ قِيلَ: قِيَاسُ مَا قَالُوهُ - مِنْ مَنْعِ التَّرَخُّصِ فِيمَا لَوْ نَقَلَ سَفَرَهُ الْمُبَاحَ إلَى مَعْصِيَةٍ - مَنْعُهُ فِيمَا لَوْ نَوَى أَنْ يُقِيمَ بِبَلَدٍ قَرِيبٍ.
أُجِيبَ بِأَنَّ نَقْلَهُ إلَى مَعْصِيَةٍ مُنَافٍ لِلرُّخَصِ بِالْكُلِّيَّةِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَدَخَلَ فِيمَا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ كَانَ مَعْلُومًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ بِأَنْ قَصَدَ قَطْعَ الْمَسَافَةِ الطَّوِيلَةِ مَعَ عَدَمِ تَعْيِينِ الْمَقْصِدِ كَأَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ بِنِيَّةِ أَنْ يَصِلَ إلَى بَطْنِ مَرْوَ ثُمَّ يُشَرِّقَ إلَى الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ أَوْ يُغَرِّبَ إلَى يَنْبُعَ، وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ أَوْ السَّيِّدُ عَبْدَهُ بِأَنَّهُ سَفَرٌ طَوِيلٌ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَوْضِعًا.
وَلَوْ نَوَى فِي سَفَرِهِ - ذُو السَّفَرِ الْقَصِيرِ - الزِّيَادَةَ فِي الْمَسَافَةِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بِهَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَلَيْسَ لَهُ التَّرَخُّصُ حَتَّى يَكُونَ مِنْ مَكَانِ نِيَّتِهِ إلَى مَقْصِدِهِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَيُفَارِقُ مَكَانَهُ لِانْقِطَاعِ سَفَرِهِ بِالنِّيَّةِ، وَيَصِيرُ بِالْمُفَارَقَةِ مُسَافِرًا سَفَرًا جَدِيدًا.
وَلَوْ نَوَى قَبْلَ خُرُوجِهِ إلَى سَفَرٍ طَوِيلٍ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ لَمْ يَقْصُرْ لِانْقِطَاعِ كُلِّ سَفْرَةٍ عَنْ الْأُخْرَى.
(وَلَوْ كَانَ لِمَقْصِدِهِ) بِكَسْرِ الصَّادِ كَمَا ضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ بِخَطِّهِ (طَرِيقَانِ طَوِيلٌ) يَبْلُغُ مَسَافَةَ الْقَصْرِ (وَقَصِيرٌ) لَا يَبْلُغُهَا (فَسَلَكَ الطَّوِيلَ لِغَرَضٍ) دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ وَلَوْ مَعَ قَصْدِ إبَاحَةِ الْقَصْرِ (كَسُهُولَةٍ) لِلطَّرِيقِ (أَوْ أَمْنٍ) أَوْ زِيَارَةٍ أَوْ عِيَادَةٍ، أَوْ لِلسَّلَامَةِ مِنْ الْمَكَّاسِينَ، أَوْ لِرُخَصِ سَفَرٍ وَلَوْ كَانَ الْغَرَضُ تَنَزُّهًا (قَصَرَ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ السَّفَرُ الطَّوِيلُ الْمُبَاحُ (وَإِلَّا) بِأَنْ سَلَكَهُ لِمُجَرَّدِ الْقَصْرِ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (فَلَا) يَقْصُرُ (فِي الْأَظْهَرِ) الْمَقْطُوعِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ طَوَّلَ الطَّرِيقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ غَرَضٍ، فَهُوَ كَمَا لَوْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْقَصِيرَ، وَطَوَّلَهُ بِالذَّهَابِ يَمِينًا وَيَسَارًا حَتَّى قَطَعَهَا فِي مَرْحَلَتَيْنِ. وَالثَّانِي: يَقْصُرُ لِأَنَّهُ طَوِيلٌ مُبَاحٌ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَقْصُرُ إذَا كَانَ الْغَرَضُ النُّزْهَةَ مَعَ قَوْلِهِمْ: إنَّهُ إذَا سَافَرَ لِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ.
أُجِيبَ بِأَنَّ التَّنَزُّهَ هُنَا لَيْسَ هُوَ الْحَامِلَ عَلَى السَّفَرِ، بَلْ الْحَامِلُ عَلَيْهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ كَسَفَرِ التِّجَارَةِ، لَكِنَّهُ سَلَكَ أَبْعَدَ