عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ ذَكَرٍ مُقِيمٍ بِلَا مَرَضٍ وَنَحْوِهِ.
وَلَا جُمُعَةَ عَلَى مَعْذُورٍ بِمُرَخِّصٍ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ.
وَالْمُكَاتَبُ وَكَذَا مَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَمَنْ صَحَّتْ ظُهْرُهُ صَحَّتْ جُمُعَتُهُ.
ــ
[مغني المحتاج]
لِصِحَّتِهَا (عَلَى كُلِّ) مُسْلِمٍ (مُكَلَّفٍ) أَيْ بَالِغٍ عَاقِلٍ (حُرٍّ ذَكَرٍ مُقِيمٍ بِلَا مَرَضٍ وَنَحْوِهِ) كَخَوْفٍ وَعُرْيٍ وَجُوعٍ وَعَطَشٍ، فَلَا جُمُعَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا عَلَى مَجْنُونٍ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَهَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ إلَخْ، وَلِهَذَا أُسْقِطَ قَيْدُ الْإِسْلَامِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَالْمَجْنُونِ بِخِلَافِ السَّكْرَانِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا ظُهْرًا كَغَيْرِهَا وَلَا عَلَى عَبْدٍ وَامْرَأَةٍ وَمُسَافِرٍ سَفَرًا مُبَاحًا وَلَوْ قَصِيرًا لِاشْتِغَالِهِ، وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا «لَا جُمُعَةَ عَلَى مُسَافِرٍ» لَكِنْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالصَّحِيحُ وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَلَا عَلَى مَرِيضٍ، لِحَدِيثِ «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَرِيضٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَأُلْحِقَ بِالْمَرْأَةِ الْخُنْثَى لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى فَلَا تَلْزَمُهُ، وَبِالْمَرِيضِ نَحْوُهُ كَمَا شَمِلَهُمَا قَوْلُهُ.
(وَلَا جُمُعَةَ عَلَى مَعْذُورٍ بِمُرَخِّصٍ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ) مِمَّا يُمْكِنُ مَجِيئُهُ فِي الْجُمُعَةِ، فَإِنَّ الرِّيحَ بِاللَّيْلِ لَا يُمْكِنُ عُذْرُهَا، وَتَوَقَّفَ السُّبْكِيُّ فِي قِيَاسِ الْجُمُعَةِ عَلَى غَيْرِهَا وَقَالَ: كَيْفَ يُلْحَقُ فَرْضُ الْعَيْنِ بِمَا هُوَ سُنَّةٌ أَوْ فَرْضُ كِفَايَةٍ، بَلْ يَنْبَغِي أَنَّ كُلَّ مَا سَاوَتْ مَشَقَّتُهُ مَشَقَّةَ الْمَرَضِ يَكُونُ عُذْرًا قِيَاسًا عَلَى الْمَرَضِ الْمَنْصُوصِ، وَمَا لَا فَلَا إلَّا بِدَلِيلٍ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْجُمُعَةُ كَالْجَمَاعَةِ وَهُوَ مُسْتَنَدُ الْأَصْحَابِ، وَمِنْ الْأَعْذَارِ: الِاشْتِعَالُ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ، وَإِسْهَالٌ لَا يَضْبِطُ الشَّخْصُ نَفْسَهُ مَعَهُ، وَيُخْشَى مِنْهُ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ، وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْجَمَاعَةِ أَنَّ الْحَبْسَ عُذْرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ مُقَصِّرًا فِيهِ فَيَكُونُ هُنَا كَذَلِكَ، وَأَفْتَى الْبَغَوِيّ بِأَنَّهُ يَجِبُ إطْلَاقُهُ لِفِعْلِهَا وَالْغَزَالِيُّ بِأَنَّ الْقَاضِيَ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي مَنْعِهِ مُنِعَ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا أَوْلَى وَلَوْ اجْتَمَعَ فِي الْحَبْسِ أَرْبَعُونَ فَصَاعِدًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَالْقِيَاسُ أَنَّ الْجُمُعَةَ تَلْزَمُهُمْ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِإِقَامَتِهَا فَهَلْ لِوَاحِدٍ مِنْ الْبَلَدِ الَّتِي لَا يَعْسُرُ فِيهَا الِاجْتِمَاعُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ لَهُمْ أَمْ لَا اهـ. وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ.
(وَالْمُكَاتَبُ) لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ فَهُوَ مَعْذُورٌ وَإِنْ أَشْعَرَ عَطْفُهُ عَلَى مَنْ يُعْذَرُ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ أَنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِي تَرْكِهَا فَإِنَّهُ رَقِيقٌ كَمَا مَرَّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِيُشِيرَ إلَى خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهَا عَلَيْهِ دُونَ الْقِنِّ (وَكَذَا مَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ) لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِعَدَمِ كَمَالِهِ وَاسْتِقْلَالِهِ. وَالثَّانِي: إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ وَوَقَعَتْ الْجُمُعَةُ فِي نَوْبَتِهِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ الْمَتْنِ أَنَّ مُقَابِلَ الصَّحِيحِ اللُّزُومُ مُطْلَقًا وَلَيْسَ مُرَادًا.
(وَمَنْ صَحَّتْ ظُهْرُهُ) مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ كَمَا قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَذَلِكَ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَنَحْوِهِ (صَحَّتْ جُمُعَتُهُ) بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا إذَا أَجْزَأَتْ عَنْ الْكَامِلِينَ الَّذِينَ لَا عُذْرَ لَهُمْ، فَأَصْحَابُ الْعُذْرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ عَنْهُمْ رِفْقًا بِهِمْ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَكَلَّفَ الْمَرِيضُ الْقِيَامَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute