للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَنْ يَشْتَغِلَ فِي طَرِيقِهِ

ــ

[مغني المحتاج]

وَحُكْمُ الرَّاكِبِ فِي ذَلِكَ كَالْمَاشِي فَيُسَيِّرُ الدَّابَّةَ بِسُكُونِ مَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ، وَيُسَنُّ أَنْ يَذْهَبَ فِي طَرِيقٍ طَوِيلٍ إنْ أَمِنَ الْفَوَاتَ وَأَنْ يَرْجِعَ فِي آخِرِ قَصِيرٍ كَمَا فِي الْعِيدِ.

(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَشْتَغِلَ فِي طَرِيقِهِ وَحُضُورِهِ) قَبْلَ الْخُطْبَةِ (بِقِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْمَلَائِكَةَ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ وَإِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ شَأْنَ الْمُصَلِّي الِاشْتِغَالُ بِالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَلَفْظُ الطَّرِيقِ مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ بَلْ عَلَى سَائِرِ كُتُبِ الْمُصَنِّفِ وَالرَّافِعِيِّ، وَالْمُخْتَارُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تِبْيَانِهِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الطَّرِيقِ جَائِزَةٌ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ إذَا لَمْ يَلْتَهِ صَاحِبُهَا فَإِنْ الْتَهَى عَنْهَا كُرِهَتْ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَعَلَّ الْأَحْوَطَ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِيهَا، فَقَدْ كَرِهَهَا بَعْضُ السَّلَفِ فِيهِ وَلَا سِيَّمَا فِي مَوَاضِعِ الزَّحْمَةِ وَالْغَفْلَةِ كَالْأَسْوَاقِ.

(وَلَا يَتَخَطَّى) رِقَابَ النَّاسِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأَى رَجُلًا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْت وَآنَيْت» أَيْ تَأَخَّرْت، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ (١) وَصَحَّحَاهُ: أَيْ فَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَقِيلَ يَحْرُمُ، وَاخْتَارَهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي الشَّهَادَاتِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صُوَرٌ: مِنْهَا الْإِمَامُ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْمِنْبَرَ أَوْ الْمِحْرَابَ إلَّا بِالتَّخَطِّي فَلَا يُكْرَهُ لَهُ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ، وَمِنْهَا مَا إذَا وَجَدَ فِي الصُّفُوفِ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ فُرْجَةً لَمْ يَبْلُغْهَا إلَّا بِتَخَطِّي رَجُلٍ أَوْ رَجُلَيْنِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهَا لِتَقْصِيرِ الْقَوْمِ بِإِخْلَاءِ فُرْجَةٍ. لَكِنْ يُسْتَحَبُّ إذَا وَجَدَ غَيْرَهَا أَنْ لَا يَتَخَطَّى، فَإِنْ زَادَ فِي التَّخَطِّي عَلَيْهِمَا وَلَوْ مِنْ صَفٍّ وَاحِدٍ وَرَجَا أَنْ يَتَقَدَّمُوا إلَى الْفُرْجَةِ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ كُرِهَ لِكَثْرَةِ الْأَذَى، وَمِنْهَا الرَّجُلُ الْمُعَظَّمُ فِي النُّفُوسِ إذَا أَلِفَ مَوْضِعًا لَا يُكْرَهُ لَهُ لِقِصَّةِ عُثْمَانَ الْمَشْهُورَةِ وَتَخَطِّيهِ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ قَالَهُ الْقَفَّالُ وَالْمُتَوَلِّي، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ مَحَلَّ هَذَا فِيمَنْ ظَهَرَ صَلَاحُهُ وَوِلَايَتُهُ فَإِنَّ النَّاسَ يُسَرُّونَ بِتَخَطِّيهِ وَيَتَبَرَّكُونَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَظَّمًا فَلَا يَتَخَطَّى وَإِنْ أَلِفَ مَوْضِعًا يُصَلِّي فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ، وَمِنْهَا مَا إذَا سَبَقَ الْعَبِيدُ وَالصِّبْيَانُ أَوْ غَيْرُ الْمُسْتَوْطِنِينَ إلَى الْجَامِعِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْكَامِلِينَ إذَا حَضَرُوا التَّخَطِّي لِسَمَاعِ الْخُطْبَةِ إذَا كَانُوا لَا يَسْمَعُونَهَا مَعَ الْبُعْدِ وَمِنْهَا إذَا جَلَسَ دَاخِلَ الْجَامِعِ عَلَى طَرِيقِ النَّاسِ، وَمِنْهَا مَا إذَا أَذِنَ لَهُ الْقَوْمُ فِي التَّخَطِّي وَلَا يُكْرَهُ لَهُمْ الْإِذْنُ وَالرِّضَا بِإِدْخَالِهِمْ الضَّرَرَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. لَكِنْ يُكْرَهُ لَهُمْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ الْإِيثَارَ بِالْقُرْبِ مَكْرُوهٌ كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ: وَيَحْرُمُ أَنْ يُقِيمَ أَحَدًا لِيَجْلِسَ مَكَانَهُ، وَلَكِنْ يَقُولُ: تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا، فَإِنْ قَامَ الْجَالِسُ بِاخْتِيَارِهِ وَأَجْلَسَ غَيْرَهُ فَلَا كَرَاهَةَ فِي جُلُوسِ غَيْرِهِ، وَأَمَّا هُوَ فَإِنْ انْتَقَلَ إلَى مَكَان أَقْرَبَ إلَى الْإِمَامِ أَوْ مِثْلِهِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِلَّا كُرِهَ إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ؛ لِأَنَّ الْإِيثَارَ بِالْقُرْبِ مَكْرُوهٌ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الحشر: ٩] [الْحَشْرَ] فَالْمُرَادُ الْإِيثَارُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>