وَيَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ لُبْسُهُ، وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ افْتِرَاشِهَا،
وَ
أَنَّ لِلْوَلِيِّ إلْبَاسَهُ الصَّبِيَّ. قُلْت: الْأَصَحُّ حِلُّ افْتِرَاشِهَا، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ لُبْسُهُ لِلضَّرُورَةِ كَحَرٍّ وَبَرْدٍ مُهْلِكَيْنِ أَوْ فُجَاءَةِ حَرْبٍ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ.
ــ
[مغني المحتاج]
الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ الْحُرْمَةَ عَلَى الرَّجُلِ بِأَنَّ فِي الْحَرِيرِ خُنُوثَةً لَا تَلِيقُ بِشَهَامَةِ الرَّجُلِ، وَقِيلَ يَجُوزُ الْجُلُوسُ عَلَيْهِ، وَيَرُدُّهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ.
(وَيَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ لُبْسُهُ) وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَلَيْهِ (وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ افْتِرَاشِهَا) لِلسَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ، بِخِلَافِ اللُّبْسِ فَإِنَّهُ يُزَيِّنُهَا وَيَدْعُو إلَى الْمَيْلِ إلَيْهَا وَوَطْئِهَا فَيُؤَدِّي إلَى مَا طَلَبَهُ الشَّارِعُ، وَهُوَ كَثْرَةُ التَّنَاسُلِ. وَالثَّانِي يَحِلُّ كَلُبْسِهِ كَمَا مَرَّ فِي خَبَرِ «حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ» وَسَيَأْتِي تَصْحِيحُهُ (وَ) الْأَصَحُّ.
(أَنَّ لِلْوَلِيِّ إلْبَاسَهُ) أَيْ الْحَرِيرِ (الصَّبِيَّ) وَلَوْ مُمَيِّزًا، إذْ لَيْسَ لَهُ شَهَامَةٌ تُنَافِي خُنُوثَةَ الْحَرِيرِ وَلِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ، وَلِلْوَلِيِّ تَزْيِينُهُ بِالْحُلِيِّ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَلَوْ فِي غَيْرِ يَوْمِ عِيدٍ. وَالثَّانِي: لَيْسَ لِلْوَلِيِّ إلْبَاسُهُ الْحَرِيرَ فِي غَيْرِ يَوْمَيْ الْعِيدِ بَلْ يَمْنَعُهُ مِنْهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ. وَالثَّالِثُ: لَهُ إلْبَاسُهُ قَبْلَ سَبْعِ سِنِينَ دُونَ مَا بَعْدَهَا لِئَلَّا يَعْتَادَهُ، وَتَعْبِيرُهُمْ بِالصَّبِيِّ يُخْرِجُ الْمَجْنُونَ، وَتَعْلِيلُهُمْ يُدْخِلُهُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَقَدْ أَلْحَقَهُ بِالصَّبِيِّ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ. (قُلْت: الْأَصَحُّ حِلُّ افْتِرَاشِهَا) إيَّاهُ (وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِمَا مَرَّ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ إبَاحَةِ اللُّبْسِ لِلتَّزْيِينِ لِلزَّوْجِ أَيْ وَالسَّيِّدِ مَمْنُوعٌ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاخْتَصَّ بِالْمُزَوَّجَةِ وَنَحْوِهَا دُونَ الْخَلِيَّةِ. وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ. وَاعْتَرَضَ الْقَطْعُ بِالْحِلِّ بِأَنَّ الشَّيْخَ نَصْرًا الْمَقْدِسِيَّ وَغَيْرَهُ قَطَعَ بِالتَّحْرِيمِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْمُتَوَلِّي، وَأَفْتَى الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِجَمْعٍ بِتَحْرِيمِ كِتَابَةِ الرَّجُلِ صَدَاقَ الْمَرْأَةِ فِي الْحَرِيرِ، إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ. قَالَ وَلَا يَغْتَرُّ بِكَثْرَةِ مَنْ يَرَاهُ وَلَا يُنْكِرُهُ، وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَقَالَ: الْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ لِلْمَرْأَةِ كَالتَّطْرِيزِ وَنَحْوِهِ، وَبِهِ أَفْتَى الْبَارِزِيُّ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْفَخْرِ بْنِ عَسَاكِرَ. قَالَ بَعْضُهُمْ وَعَلَيْهِ قُضَاةُ الْأَمْصَارِ فِي الْأَعْصَارِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخِيَاطَةَ لَا اسْتِعْمَالَ فِيهَا بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ تَحْرِيمُ كِتَابَةِ الرَّجُلِ فِيهِ لِلْمُرَاسَلَاتِ وَنَحْوِهَا. وَسُئِلَ قَاضِي الْقُضَاةِ ابْنُ رَزِينٍ عَمَّنْ يُفَصِّلُ الْكُلُونَاتِ وَالْأَقْبَاعَ الْحَرِيرَ وَيَشْتَرِي الْقُمَاشَ الْحَرِيرَ مُفَصَّلًا وَيَبِيعُهُ لِلرِّجَالِ، فَقَالَ: يَأْثَمُ بِتَفْصِيلِهِ لَهُمْ وَبِخِيَاطَتِهِ وَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ كَمَا يَأْثَمُ بِصَوْغِ الذَّهَبِ لِلُبْسِهِمْ. قَالَ: وَكَذَا خُلَعُ الْحَرِيرِ يَحْرُمُ بَيْعُهَا وَالتِّجَارَةُ فِيهَا. وَأَمَّا اتِّخَاذُ أَثْوَابِ الْحَرِيرِ لِلرَّجُلِ بِلَا لُبْسٍ، فَأَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّهُ حَرَامٌ لَكِنَّ إثْمَهُ دُونَ إثْمِ اللُّبْسِ، ثُمَّ أَخْرَجَ الْمُصَنِّفُ مِنْ حُرْمَةِ الْحَرِيرِ عَلَى الرَّجُلِ مَا تَضْمَنَّهُ قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ) وَالْخُنْثَى (لُبْسُهُ لِلضَّرُورَةِ كَحَرٍّ وَبَرْدٍ مُهْلِكَيْنِ) أَوْ مُضِرَّيْنِ كَالْخَوْفِ عَلَى عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ إزَالَةً لِلضَّرَرِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ جَوَازِ اللُّبْسِ جَوَازُ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ أَخَفُّ (أَوْ فُجَاءَةِ حَرْبٍ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمَدِّ، بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ أَيْ بَغْتَتِهَا (وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ) يَقُومُ مَقَامَهُ لِلضَّرُورَةِ وَجَوَّزَ ابْنُ كَجٍّ اتِّخَاذَ الْقَبَاءِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَصْلُحُ لِلْقِتَالِ، وَإِنْ وُجِدَ غَيْرُ الْحَرِيرِ مِمَّا يَدْفَعُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْهَيْبَةِ وَانْكِسَارِ قُلُوبِ الْكُفَّارِ كَتَحْلِيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute