هِيَ سُنَّةٌ:
فَيُحْرِمُ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَيَرْكَعُ، ثُمَّ يَرْفَعُ، ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَعْتَدِلُ ثُمَّ يَسْجُدُ. فَهَذِهِ رَكْعَةٌ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَانِيَةً كَذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ زِيَادَةُ رُكُوعٍ ثَالِثٍ لِتَمَادِي الْكُسُوفِ، وَلَا
ــ
[مغني المحتاج]
يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ، وَالْكُسُوفُ مَأْخُوذٌ مِنْ كَسَفَتْ حَالُهُ: أَيْ تَغَيَّرَتْ: كَقَوْلِهِمْ فُلَانٌ كَاسِفُ الْحَالِ أَيْ مُتَغَيِّرُهُ. وَالْخُسُوفُ مَأْخُوذٌ مِنْ خَسَفَ الشَّيْءُ خُسُوفًا أَيْ ذَهَبَ فِي الْأَرْضِ. قَالَ عُلَمَاءُ الْهَيْئَةِ: إنَّ كُسُوفَ الشَّمْسِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ لِعَدَمِ تَغَيُّرِهَا فِي نَفْسِهَا لِاسْتِفَادَةِ ضَوْئِهَا مِنْ جِرْمِهَا، وَإِنَّمَا الْقَمَرُ يَحُولُ بِظُلْمَتِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا مَعَ بَقَاءِ نُورِهَا، فَيُرَى لَوْنُ الْقَمَرِ كَمِدًا فِي وَجْهِ الشَّمْسِ فَيُظَنُّ ذَهَابُ ضَوْئِهَا. وَأَمَّا خُسُوفُ الْقَمَرِ فَحَقِيقَةً بِذَهَابِ ضَوْئِهِ لِأَنَّ ضَوْءَهُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ، وَكُسُوفُهُ بِحَيْلُولَةِ ظِلِّ الْأَرْضِ بَيْنَ الشَّمْسِ وَبَيْنَهُ فَلَا يَبْقَى فِيهِ ضَوْءٌ أَلْبَتَّةَ. وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} [فصلت: ٣٧] أَيْ عِنْدَ كُسُوفِهِمَا، وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ مُسْلِمٍ «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ» (هِيَ سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ لِذَلِكَ فِي حَقِّ كُلِّ مُخَاطَبٍ بِالْمَكْتُوبَاتِ الْخَمْسِ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهَا لِكُسُوفِ الشَّمْسِ كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَلِخُسُوفِ الْقَمَرِ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِهِ مِنْ الثِّقَاتِ، وَلِأَنَّهَا ذَاتُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَلَا أَذَانَ لَهَا كَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا: أَيْ الْخَمْسِ؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» وَحَمَلُوا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ: " لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا " عَلَى كَرَاهَتِهِ لِتَأَكُّدِهَا لِيُوَافِقَ كَلَامَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، وَالْمَكْرُوهُ قَدْ يُوصَفُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ مِنْ جِهَةِ إطْلَاقِ الْجَائِزِ عَلَى مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ.
وَأَقَلُّ كَيْفِيَّتِهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَيُحْرِمُ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ) وَهَذِهِ النِّيَّةُ قَدْ سَبَقَتْ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ: إنَّ النَّفَلَ ذَا السَّبَبِ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ فَهِيَ مُكَرَّرَةٌ، وَلِهَذَا أَهْمَلَ النِّيَّةَ فِي الْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ إلَّا أَنَّهَا ذُكِرَتْ هُنَا لِبَيَانِ أَقَلِّ صَلَاةِ الْكُسُوفِ، (وَيَقْرَأُ) بَعْدَ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ (الْفَاتِحَةَ وَيَرْكَعُ ثُمَّ يَرْفَعُ) رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ ثُمَّ يَعْتَدِلُ (ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ) ثَانِيًا (ثُمَّ يَرْكَعُ) ثَانِيًا أَقْصَرَ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ (ثُمَّ يَعْتَدِلُ) ثَانِيًا، وَيَقُولُ فِي الِاعْتِدَالِ عَنْ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، زَادَ فِي الْمَجْمُوعِ حَمْدًا طَيِّبًا إلَخْ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَا يَقُولُ ذَلِكَ فِي الرَّفْعِ الْأَوَّلِ، بَلْ يَرْفَعُ مُكَبِّرًا لِأَنَّهُ لَيْسَ اعْتِدَالًا، وَلَعَلَّ تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ أَوَّلًا بِالرَّفْعِ وَثَانِيًا بِالِاعْتِدَالِ فِيهِ مَيْلٌ إلَى هَذَا؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ مِنْ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ لَا يُسَمَّى اعْتِدَالًا، وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ (ثُمَّ يَسْجُدُ) السَّجْدَتَيْنِ وَيَأْتِي بِالطُّمَأْنِينَةِ فِي مَحَالِّهَا (فَهَذِهِ رَكْعَةٌ ثُمَّ يُصَلِّي) رَكْعَةً (ثَانِيَةً كَذَلِكَ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَقَوْلُهُمْ إنَّ أَقَلَّهَا أَيْ إذَا شَرَعَ فِيهَا بِنِيَّةِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَإِلَّا فَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ صَحَّتْ وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَقَلُّ الْكَمَالِ (وَلَا يَجُوزُ زِيَادَةُ رُكُوعٍ ثَالِثٍ) فَأَكْثَرَ (لِتَمَادِي) أَيْ طُولِ مُكْثِ (الْكُسُوفِ، وَلَا) يَجُوزُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute