نَقْصُهُ لِلِانْجِلَاءِ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَكْمَلُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ الْبَقَرَةَ، وَفِي الثَّانِي كَمِائَتَيْ آيَةٍ مِنْهَا، وَفِي الثَّالِثِ مِائَةً وَخَمْسِينَ، وَالرَّابِعِ مِائَةً تَقْرِيبًا،
ــ
[مغني المحتاج]
(نَقْصُهُ) أَيْ نَقْصُ رُكُوعٍ: أَيْ إسْقَاطُهُ مِنْ الرُّكُوعَيْنِ الْمَنْوِيَّيْنِ (لِلِانْجِلَاءِ فِي الْأَصَحِّ) كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ لَا يُزَادُ عَلَى أَرْكَانِهَا وَلَا يُنْقَصُ مِنْهَا. وَالثَّانِي يُزَادُ وَيُنْقَصُ. أَمَّا الزِّيَادَةُ " فَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثُ رُكُوعَاتٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِيهِ أَرْبَعُ رُكُوعَاتٍ أَيْضًا، وَفِي رِوَايَةٍ خَمْسَ رُكُوعَاتٍ أَخْرَجَهَا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ، وَلَا مَحْمَلَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ إلَّا الْحَمْلُ عَلَى الزِّيَادَةِ لِتَمَادِي الْكُسُوفِ.
وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ أَحَادِيثَ الرُّكُوعَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، فَهِيَ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ فَقُدِّمَتْ عَلَى بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ الْبُخَارِيُّ. قَالَ السُّبْكِيُّ وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا إذَا كَانَتْ الْوَاقِعَةُ وَاحِدَةً وَقَدْ حَصَلَ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِيهَا. أَمَّا إذَا كَانَتْ وَقَائِعَ فَلَا تَعَارُضَ فِيهَا اهـ.
وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ، فَقِيلَ بِعَدَمِ تَعَدُّدِهَا. وَالْأَحَادِيثُ كُلُّهَا تَرْجِعُ إلَى صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ يَوْمَ مَاتَ سَيِّدُنَا إبْرَاهِيمُ ابْنُهُ، وَإِذَا لَمْ تَتَعَدَّدْ الْوَاقِعَةُ فَلَا تُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ، وَقِيلَ: إنَّهَا تَعَدَّدَتْ وَصَلَّاهَا مَرَّاتٍ، فَالْجَمِيعُ جَائِزٌ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى لِخُسُوفِ الْقَمَرِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَعَلَى هَذَا، الْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِحَمْلِهَا عَلَى مَا إذَا أَنْشَأَ الصَّلَاةَ بِنِيَّةِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ اهـ.
وَالْمُعْتَمَدُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ: مِنْ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَجُوزُ مُطْلَقًا. وَأَمَّا النَّقْصُ لِلِانْجِلَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فَقَاسَهُ عَلَى الِانْجِلَاءِ.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمَجْمُوعِ جَوَازُ فِعْلِهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ قَصَدَ فِعْلَهَا ابْتِدَاءً كَذَلِكَ.
فَإِنْ قِيلَ: تَجْوِيزُ الزِّيَادَةِ لِأَجْلِ تَمَادِي الْكُسُوفِ إنَّمَا يَأْتِي فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَة. وَأَمَّا الْأُولَى فَكَيْفَ يُعْلَمُ فِيهَا التَّمَادِي بَعْدَ فَرَاغِ الرُّكُوعَيْنِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ يُتَصَوَّرُ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذَا الْفَنِّ وَاقْتَضَى حِسَابُهُ ذَلِكَ، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي إعَادَةِ الصَّلَاةِ لِلِاسْتِدَامَةِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ، وَقِيلَ يَجُوزُ عَلَى الْقَوْلِ بِتَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. نَعَمْ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ: أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الْكُسُوفَ وَحْدَهُ ثُمَّ أَدْرَكَهَا مَعَ الْإِمَامِ صَلَّاهَا مَعَهُ كَالْمَكْتُوبَةِ وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيمَا إذَا أَدْرَكَهُ قَبْلَ الِانْجِلَاءِ وَإِلَّا فَهُوَ افْتِتَاحُ صَلَاةِ كُسُوفٍ بَعْدَ الِانْجِلَاءِ، وَهَلْ يُعِيدُ الْمُصَلِّي جَمَاعَةً مَعَ جَمَاعَةٍ يُدْرِكُهَا؟ قَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ يُعِيدُهَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ (وَالْأَكْمَلُ) فِيهَا زَائِدًا عَلَى الْأَقَلِّ (أَنْ يَقْرَأَ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ) كَمَا فِي نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَالْبُوَيْطِيِّ (بَعْدَ الْفَاتِحَةِ) وَسَوَابِقِهَا مِنْ افْتِتَاحٍ، وَتَعَوُّذٍ (الْبَقَرَةَ) بِكَمَالِهَا إنْ أَحْسَنَهَا وَإِلَّا فَقَدْرَهَا (وَ) أَنْ يَقْرَأَ (فِي) الْقِيَامِ (الثَّانِي كَمِائَتَيْ آيَةٍ مِنْهَا، وَفِي) الْقِيَامِ (الثَّالِثِ) مِثْلَ (مِائَةٍ وَخَمْسِينَ) مِنْهَا (وَ) فِي الْقِيَامِ (الرَّابِعِ) مِثْلَ (مِائَةٍ) مِنْهَا (تَقْرِيبًا) فِي الْجَمِيعِ، وَالْمُرَادُ الْآيَاتُ الْمُعْتَدِلَةُ فِي هَذَا وَفِيمَا سَيَأْتِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَنَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي " آلَ عِمْرَانَ " أَوْ قَدْرَهَا، وَفِي الثَّالِثِ " النِّسَاءَ " أَوْ قَدْرَهَا، وَفِي الرَّابِعِ " الْمَائِدَةَ " أَوْ قَدْرَهَا، وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ بَلْ هُوَ لِلتَّقْرِيبِ، وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَقَدْ ثَبَتَ بِالْأَخْبَارِ تَقْدِيرُ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ بِنَحْوِ الْبَقَرَةِ وَتَطْوِيلُهُ عَلَى الثَّانِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute