وَيُبَالِغُ فِي الدُّعَاءِ سِرًّا وَجَهْرًا، وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ عِنْدَ اسْتِقْبَالِهِ فَيَجْعَلُ يَمِينَهُ يَسَارَهُ وَعَكْسَهُ وَيُنَكِّسُهُ عَلَى الْجَدِيدِ فَيَجْعَلُ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَعَكْسَهُ وَيُحَوِّلُ النَّاسُ مِثْلَهُ. قُلْت: وَيُتْرَكُ مُحَوَّلًا حَتَّى يَنْزِعَ الثِّيَابَ، وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الِاسْتِسْقَاءَ فَعَلَهُ النَّاسُ،
ــ
[مغني المحتاج]
(وَيُبَالِغُ فِي الدُّعَاءِ) حِينَئِذٍ (سِرًّا) وَيُسِرُّ الْقَوْمُ الدُّعَاءَ أَيْضًا (وَجَهْرًا) وَيُؤَمِّنُ الْقَوْمُ عَلَى دُعَائِهِ. قَالَ تَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: ٥٥] وَيَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الدُّعَاءِ جَاعِلِينَ ظُهُورَ أَكُفِّهِمْ إلَى السَّمَاءِ، ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ.
قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَهَكَذَا السُّنَّةُ لِكُلِّ مَنْ دَعَا لِرَفْعِ بَلَاءٍ أَنْ يَجْعَلَ ظَهْرَ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ، وَإِذَا سَأَلَ شَيْئًا عَكَسَ ذَلِكَ. وَالْحِكْمَةُ أَنَّ الْقَصْدَ رَفْعُ الْبَلَاءِ، بِخِلَافِ الْقَاصِدِ حُصُولَ شَيْءٍ فَيَجْعَلُ بَطْنَ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَيُكْرَهُ رَفْعُ الْيَدِ النَّجِسَةِ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يُكْرَهُ بِحَائِلٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ دُعَائِهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ أَمَرْتنَا بِدُعَائِك وَوَعَدْتنَا إجَابَتَك وَقَدْ دَعَوْنَاك كَمَا أَمَرْتنَا فَأَجِبْنَا كَمَا وَعَدْتَنَا، اللَّهُمَّ فَامْنُنْ عَلَيْنَا بِمَغْفِرَةِ مَا قَارَفْنَا وَإِجَابَتِك فِي سُقِيَانَا، وَسَعَةٍ فِي رِزْقِنَا، وَذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَأَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ اخْتِصَارًا، وَكَانَ اللَّائِقُ ذِكْرَهُ (وَيُحَوِّلُ) الْخَطِيبُ (رِدَاءَهُ عِنْدَ اسْتِقْبَالِهِ) الْقِبْلَةَ لِلتَّفَاؤُلِ بِتَحْوِيلِ الْحَالِ مِنْ الشِّدَّةِ إلَى الرَّخَاءِ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ: وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ» (فَيَجْعَلُ يَمِينَهُ) أَيْ يَمِينَ رِدَائِهِ (يَسَارَهُ، وَعَكْسَهُ) لِلِاتِّبَاعِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَكَانَ طُولُ رِدَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَةَ أَذْرُعٍ وَعَرْضُهُ ذِرَاعَيْنِ وَشِبْرًا (وَيُنَكِّسُهُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مُخَفَّفًا وَبِضَمِّهِ مُثَقَّلًا عِنْدَ اسْتِقْبَالِهِ (عَلَى الْجَدِيدِ فَيَجْعَلُ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَعَكْسَهُ) لِمَا فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْقَى وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ، فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْفَلِهَا فَيَجْعَلَهُ أَعْلَاهَا فَلَمَّا ثَقُلَتْ عَلَيْهِ قَلَبَهَا عَلَى عَاتِقِهِ» وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ هَمَّ بِهِ فَمَنَعَهُ مِنْ فِعْلِهَا مَانِعٌ، وَالْقَدِيمِ لَا يُسْتَحَبُّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ، وَمَتَى جَعَلَ الطَّرَفَ الْأَسْفَلَ الَّذِي عَلَى الْأَيْسَرِ عَلَى الْأَيْمَنِ وَالْآخَرِ عَلَى الْأَيْسَرِ حَصَلَ التَّنْكِيسُ وَالتَّحْوِيلُ جَمِيعًا، وَالْخِلَافُ فِي الرِّدَاءِ الْمُرَبَّعِ أَمَّا الْمُدَوَّرُ وَالْمُثَلَّثُ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّحْوِيلُ قَطْعًا. قَالَ الْقَمُولِيُّ: لِأَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ فِيهِ التَّنْكِيسُ، وَكَذَا الرِّدَاءُ الطَّوِيلُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَمُرَادُهُ كَغَيْرِهِ أَنَّ ذَلِكَ مُتَعَسِّرٌ لَا مُتَعَذِّرٌ (وَيُحَوِّلُ النَّاسُ) وَيُنَكِّسُونَ وَهُمْ جُلُوسٌ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ (مِثْلَهُ) تَبَعًا لَهُ؛ لِمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّ النَّاسَ حَوَّلُوا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
تَنْبِيهٌ: عَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِقَوْلِهِ: وَيَفْعَلُ بَدَلَ يُحَوِّلُ وَهُوَ أَعَمُّ لِمَا تَقَرَّرَ، وَيَقَعُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْكِتَابِ كَذَلِكَ، لَكِنَّ الْمَذْكُورَ عَنْ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ يُحَوِّلُ (قُلْت: وَيُتْرَكُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ: أَيْ رِدَاءُ الْخَطِيبِ وَالنَّاسِ (مُحَوَّلًا حَتَّى يَنْزِعَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ (الثِّيَابَ) كُلٌّ مِنْهُمَا عِنْدَ رُجُوعِهِمَا لِمَنْزِلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيَّرَ رِدَاءَهُ قَبْلَ ذَلِكَ (وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الِاسْتِسْقَاءَ فَعَلَهُ النَّاسُ) كَسَائِرِ السُّنَنِ. وَلِأَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ كَمَا يَحْتَاجُ الْإِمَامُ بَلْ أَشَدُّ، لَكِنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ إلَى الصَّحْرَاءِ إذَا كَانَ الْوَالِي بِالْبَلَدِ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُمْ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute