للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ جَازَ، وَيُسَنُّ أَنْ يَبْرُزَ لِأَوَّلِ مَطَرِ السَّنَةِ وَيَكْشِفَ غَيْرَ عَوْرَتِهِ لِيُصِيبَهُ، وَأَنْ يَغْتَسِلَ أَوْ يَتَوَضَّأَ فِي السَّيْلِ، وَيُسَبِّحَ عِنْدَ الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ، وَلَا يُتْبِعَ بَصَرَهُ الْبَرْقَ، وَيَقُولَ عِنْدَ الْمَطَرِ: اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا، وَيَدْعُوَ بِمَا شَاءَ، وَبَعْدَهُ:

ــ

[مغني المحتاج]

(وَلَوْ خَطَبَ) لَهُ (قَبْلَ الصَّلَاةِ جَازَ) لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ ثُمَّ صَلَّى وَفِي الصَّحِيحَيْنِ نَحْوُهُ أَيْضًا، لَكِنْ فِي حَقِّنَا خِلَافُ الْأَفْضَلِ، لِأَنَّ فِعْلَ الْخُطْبَتَيْنِ بَعْدَ الصَّلَاةِ هُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَيُسَنُّ) لِكُلِّ أَحَدٍ (أَنْ يَبْرُزَ) أَيْ يَظْهَرَ (لِأَوَّلِ مَطَرِ السَّنَةِ وَيَكْشِفَ) مِنْ جَسَدِهِ (غَيْرَ عَوْرَتِهِ لِيُصِيبَهُ) شَيْءٌ مِنْ الْمَطَرِ تَبَرُّكًا، وَلِلِاتِّبَاعِ، رَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَسَرَ عَنْ ثَوْبِهِ حَتَّى أَصَابَهُ الْمَطَرُ، وَقَالَ إنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ» أَيْ بِخَلْقِهِ وَتَنْزِيلِهِ، بَلْ يُسَنُّ عِنْدَ أَوَّلِ كُلِّ مَطَرٍ، كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لِظَاهِرِ خَبَرٍ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ.

وَلَكِنَّهُ فِي الْأَوَّلِ آكَدُ (وَأَنْ يَغْتَسِلَ أَوْ يَتَوَضَّأَ فِي) مَاءِ (السَّيْلِ) لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ، لَكِنْ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ. «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا سَالَ السَّيْلُ قَالَ: اُخْرُجُوا بِنَا إلَى هَذَا الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ طَهُورًا فَنَتَطَهَّرَ بِهِ وَنَحْمَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ» .

وَالتَّعْبِيرُ بِأَوْ يُفِيدُ اسْتِحْبَابَ أَحَدِهِمَا بِالْمَنْطُوقِ، وَكِلَيْهِمَا بِمَفْهُومِ الْأَوَّلِ فَهُوَ أَفْضَلُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، فَقَالَ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَيَغْتَسِلَ فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا فَلْيَتَوَضَّأْ، وَالْمُتَّجَهُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ الْجَمْعُ، ثُمَّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْغُسْلِ، ثُمَّ عَلَى الْوُضُوءِ،، وَالْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ لَا تُشْتَرَطُ فِيهِمَا النِّيَّةُ، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِيهِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُصَادِفَ وَقْتَ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ، لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ هِيَ الْحِكْمَةُ فِي كَشْفِ الْبَدَنِ لِيَنَالَ أَوَّلَ مَطَرِ السَّنَةِ وَبَرَكَتِهِ (وَيُسَبِّحُ عِنْدَ الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ) فَيَقُولُ: سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ، كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ.

وَقِيسَ بِالرَّعْدِ الْبَرْقُ، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَهُ سُبْحَانَ مَنْ {يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الرعد: ١٢] وَنَقَلَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ عَنْ الثِّقَةِ عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّ الرَّعْدَ مَلَكٌ وَالْبَرْقَ أَجْنِحَتُهُ يَسُوقُ بِهَا السَّحَابَ، وَعَلَى هَذَا الْمَسْمُوعُ صَوْتُهُ أَوْ صَوْتُ سَوْقِهِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهِ، وَإِطْلَاقُ ذَلِكَ عَلَى الرَّعْدِ مَجَازٌ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْفَلْسَفِيِّ: الرَّعْدُ صَوْتُ اصْطِكَاكِ أَجْرَامِ السَّحَابِ، وَالْبَرْقُ مَا يَنْقَدِحُ مِنْ اصْطِكَاكِهَا، وَرُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «بَعَثَ اللَّهُ السَّحَابَ فَنَطَقَتْ أَحْسَنَ النُّطْقِ وَضَحِكَتْ أَحْسَنَ الضَّحِكِ، فَالرَّعْدُ نُطْقُهَا وَالْبَرْقُ ضَحِكُهَا» (وَ) أَنْ (لَا يُتْبِعَ بَصَرَهُ الْبَرْقَ) لِأَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْإِشَارَةَ إلَى الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ وَيَقُولُونَ عِنْدَ ذَلِكَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَيَخْتَارُ الِاقْتِدَاءَ بِهِمْ فِي ذَلِكَ (وَ) أَنْ (يَقُولَ عِنْدَ) نُزُولِ (الْمَطَرِ) كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ (اللَّهُمَّ صَيِّبًا) بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ: أَيْ مَطَرًا شَدِيدًا (نَافِعًا) وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ سَيْبًا بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْيَاءِ: أَيْ عَطَاءً نَافِعًا، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ: صَيِّبًا هَنِيئًا فَيُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ، وَيُكَرِّرُ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا (وَ) أَنْ (يَدْعُوَ بِمَا شَاءَ) لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ: عِنْدَ الْتِقَاءِ الصُّفُوفِ وَنُزُولِ الْغَيْثِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَرُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ (وَ) أَنْ يَقُولَ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْمَطَرِ: أَيْ فِي أَثَرِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>